اخبار العرب والعالم

حزب الله يضع لبنان على فوهة بركان

حزب-الله-لبنان

عاد الهدوء نسبيا إلى مدنية عرسال اللبنانية بعد اشتباكات بين الجيش اللبناني ومسلحين يعتقد أنهم من جبهة النصرة المنضوية تحت لواء تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في محيطها، أسفرت عن سقوط جندي وفقدان آخر.
وتشكل عرسال، هذه البلدة الحدودية مع سوريا، هاجسا كبيرا للقادة اللبنانيين، خاصة وأن هناك عددا من المسلحين مازالوا موجودين بها، فيما المئات من المسلحين الآخرين يتخذون من جرودها منطلقا لشن عملياتهم ضد الجيش.

وكانت البلدة شهدت منذ أكثر من ثلاثة أسابيع معارك دامية بين التنظيمات المتطرفة والجيش انتهت بخطف أكثر من عشرين بين جندي وأمني لبناني.

ويطالب الخاطفون بوقف تدخل حزب الله في سوريا، وبإطلاق سراح عناصرهم الموجودين في السجون اللبنانية وخاصة سجن رومية، مقابل الإفراج عن العناصر الأمنية والعسكرية المحتجزة لديهم.

وتنذر المعارك الأخيرة بوجود حلقات قادمة من المعارك في حال فشلت المفاوضات بين الحكومة اللبنانية والمسلحين.

وكانت هيئة العلماء المسلمين في لبنان قد علّقت وساطتها، منتقدة حكومة سلاّم لعدم تعاملها بجدية في المفاوضات الدائرة.

وعرسال اللبنانية تعد حاضنة للاجئين السوريين الذي فروا من الصراع الدائر في بلدهم، ومعظم هؤلاء يصنفهم حزب الله والنظام السوري ضمن المناوئين له.

الأمر الذي يفسر قيام عناصر من الحزب والجيش اللبناني عقب انتهاء المعركة الأولى لعرسال بشن حملة اعتقالات واسعة ضد المدنيين السوريين، حتى الجرحى منهم، وهو ما زاد من حالة الاحتقان في صفوف هؤلاء.

الناشط الحقوقي اللبناني نبيل الحلبي، مدير المؤسسة اللبنانية للديمقراطية وحقوق الإنسان، تحدث عن وقائع ما تعرض له اللاجئون السوريون أثناء معركة عرسال الأولى وعقب انتهائها.

وقال في تصريحات لـ”العرب”: “كانت المبادرة التي اِنجرّ عنها وقف القتال تقضي بإخلاء الجرحى وعدم التعرض للاجئين السوريين بعد دخول الجيش اللبناني إلى مدينة عرسال، وبالمقابل إطلاق سراح الجنود اللبنانيين، لكن الحكومة اللبنانية والجيش لم يعيرا أي أهمية لحقوق اللاجئين، وقامت القوات المسلحة باعتقالات تعسفية واعتقال للجرحى وسوقهم من المشافي إلى مراكز التحقيق، وحتى الأطفال تعرضوا للتعذيب وهم جرحى وتم التحقيق معهم، وقضى أحدهم تحت التعذيب في مستشفى في بعلبك تابعة لحركة أمل (الشيعية اللبنانية الشقيقة لحزب الله)، وحتى لا نُصبح شهود زور على هذه الجرائم قررنا الانسحاب من المبادرة والاستمرار بتوثيق الانتهاكات”.

عرسال (السنية) المطوقة بحزام (شيعي) مناهض للثورة السورية شوكة سيعمل حزب الله كل ما بوسعه لنزعها وتهجير سكانها

وعن الوضع في منطقة عرسال وإمكانية تفجره للمرة الثالثة قال الحقوقي اللبناني: “إذا قام الجيش اللبناني بخنق حدود عرسال مع القلمون فإن المقاتلين سيخرجون ربما من مكان آخر لأنهم لا يستطيعون الصمود في الداخل دون إمداد غذائي وإسعافي، وغالباً لن يأتوا من عرسال هذه المرة”.

وانعكست أزمة عرسال سلباً على نحو مليون لاجئ سوري في لبنان، وبرزت أصوات عنصرية بين بعض اللبنانيين تطالب بطرد السوريين، كما أن بعض الإعلاميين من الأكثر عنصرية وطائفية طالب بقتل كل السوريين في لبنان. وأصدرت بعض بلديات المدن اللبنانية قرارات تمنع تأجير البيوت للسوريين أو تشغيلهم، كما منعت بعض المدن السوريين من التجول بعد الساعة الثامنة مساءً، فيما تعرّض العديد من السوريين للاعتداء من قبل لبنانيين دون أي مبرر، ونسي بعض اللبنانيين أن السوريين استضافوا نحو نصف مليون لاجئ منهم خلال حرب إسرائيل على لبنان عام 2006 وأكرموهم إكراماً مشهودا له. لكن قصة عرسال انتهت ولم تنته، فالأزمة في لبنان معرّضة للانفجار في أي لحظة في ظل التعامل العنصري مع مليون لاجئ سوري ونصف مليون مقيم خارج اللجوء، طالما أن حزب الله يتعامل معهم بطريقة أمنية قمعية.

ولا يخفى على أي مراقب أن الوضع في لبنان مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالصراع في سوريا، وكان لتورط حزب الله ودخوله الحرب السورية إلى جانب النظام أثر سلبي على نظرة السوريين له وموقفهم من اللبنانيين بشكل عام، وهناك أكثر من مليون من السوريين في لبنان غالبيتهم العظمى تعتبر حزب الله عدواً لكنهم مضطرون للبقاء في لبنان لعدم وجود بديل، وهذا الاحتقان بين الطرفين يهدد الوضع بالانفجار في أي لحظة.

القيادي في المعارضة السورية لؤي صافي، حمّل حزب الله المسؤولية الكاملة عن أي سوء يمكن أن يطال السوريين في لبنان، وشدد على أن خروج ميليشيات حزب الله من سوريا ومنعه من التدخل لصالح النظام ضروري لعدم تجدد الأزمة في لبنان وانتقال النار إليها.

وقال لـ”العرب”: “يشعر اللبنانيون جميعاً بالخطر المحدق بسبب انتقال المعركة إلى أراضيهم نتيجة خيار حزب الله المنفرد في الوقوف الكامل مع نظام مجرم استباح البلاد ودمّرها من أجل الاحتفاظ بالسلطة”.

القيادي في المعارضة السورية لؤي صافي: خروج ميليشيات حزب الله من سوريا ومنعه من التدخل لصالح النظام ضروري لعدم تجدد الأزمة في لبنان

وأضاف “الوسيلة الوحيدة لتحييد لبنان عن الصراع السوري وعدم تجدد المعارك فيه هي انسحاب عشرات الآلاف من مقاتلي حزب الله من سوريا، لكن للأسف هذا الاحتمال لا يزال ضعيفا بسبب إصرار إيران على حماية النظام الاستبدادي في دمشق، وعلى القوى السياسية في لبنان الدفع في هذا الاتجاه بدلاً من التصعيد العسكري”.

لكن هذه المناشدة للزعماء اللبنانيين قد لا تصل هدفها، فالضابط السابق في الاستخبارات اللبنانية ناجي نجار، مستشار اللجنة العسكرية لمركز السياسة الأمنية في واشنطن، أكّد أن الجيش اللبناني مقيّد بأوامر حزب الله، وقال: “لقد أصبح الجيش اللبناني قوة مؤازرة تؤمّن الحماية اللوجستية لحزب الله وخطوط الإمداد أثناء دخول عناصره إلى سوريا وخروجهم منها، أما زعماء الطوائف فهم ليسوا عاجزين وإنما خائفين ومترددين، هم يرغبون بالقضاء على حزب الله وسلاحه من خلال الثورة السورية، ويريدون الخلاص منه دون أن يفعلوا شيئاً ولو كانوا جادين لقاموا باحتجاجات شعبية على غرار 2005 ممّا سيشكل ضغطا شعبيا على الحزب لا يمكن تحمله وسيؤدي إلى توقف تدخله في الصراع السوري”.

وتتهم المعارضة السورية حزب الله باستدراج مقاتلي المعارضة السورية لدخول عرسال، وترويضهم لخدمة أهدافه الاستراتيجية والأجندة الإيرانية دون وعي منهم، لكن من السهولة بمكان استنتاج أن انسحاب المسلحين من عرسال لن يُنهي أزمتها ويمنع النيران من الانتشار في لبنان، فحزب الله قادر مرة أخرى على الادعاء بأن هناك مقاتلين سوريين فيها لتبرير حملة عسكرية مقبلة، فعرسال (السنيّة) المطوقة بحزام (شيعي) مناهض للثورة السورية شوكة سيعمل الحزب كل ما بوسعه لنزعها وتهجير سكانها.

فهد المصري، رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية حول سوريا، يرى أن خطة الحزب أوسع من ذلك ولها علاقة بموضوع تثبيت الهلال الشيعي، وقال لـ”العرب”: “من يراقب سير العمليات العسكرية منذ عام في حمص والقلمون وعرسال بسوريا يدرك تماماً بأن خطة حزب الله والنظام السوري وإيران لا ترمي فقط لقطع طرق إمداد الثوار السوريين عبر لبنان بل هو تمهيد الأرض والمنطقة لإعلان دولة الساحل العلوية السورية التي ستضم جزءاً من لبنان (الشيعي) في البقاع ومناطق (علوية) من طرابلس، لاستكمال الهلال الشيعي الممتد من طهران إلى العراق فسوريا ولبنان وصولاً إلى ساحل المتوسط، وما أحداث عرسال وقصفها وتهجير سكانها إلا جزء من هذه الخطة الممنهجة”.

لا شك أن لبنان في ورطة، أدخله فيها حزب الله بعد أن أرسل مقاتليه وميليشياته إلى سوريا تارة بحجة الصمود والتصدي وتارة بحجة حماية المواقع الدينية، لكن في واقع الأمر هدفه حماية النظام ودعمه، ولضمان سلامة لبنان وعدم عودته إلى دوامة الحروب الأهلية التي مازالت في ذاكرة جيل من اللبنانيين، لا بد من انسحاب ميليشيات حزب الله من سوريا ومنع السلاح عن كل التنظيمات اللبنانية وعلى رأسها حزب الله الذي أصبح دولة ضمن الدولة، وكذلك من المهم البدء بترسيم الحدود بين سوريا ولبنان بدعم أممي، تلك الحدود التي تجعل سوريا مفتوحة على لبنان بشكل كامل، ودون ذلك فإن الأزمة السورية ستتمدد إلى لبنان كما تمددت إلى العراق، وسيصعب على الجميع احتواؤها، لا حزب الله ولا غيره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً