هل سيفلت المالكي من المساءلة عن سنوات الرصاص العراقية؟
داود البصري*
مع التنحي الرسمي الكامل لرئيس الحكومة العراقية السابق نوري المالكي بفعل الضغوط الأميركية تحديدا, والخشية من غضبة “العم سام”.
وتخلي الجماعة المؤلفة قلوبهم في طهران عنه رسميا بعد تأييد مستشار الولي الفقيه, المندوب السامي الإيراني في العراق, الأميرال علي شمخاني لرئيس الحكومة الجديد حيدر العبادي والمزاج, الإقليمي والدولي, الذي دفع باتجاه رحيل المالكي لظلال التاريخ, يبدو جليا أن أجواء المشهد العراقي الساخن لن تتبدل فجأة, كما أن المسرح العراقي لن تشهد خشبته القلقة سيناريوهات ميدانية مختلفة باتجاه الحلحلة, بل يبدو أن التعقيد سيد الموقف, وإن مفاجآت وإرهاصات وتجليات الساحة العراقية لم تزل حبلى بالكثير الكثير.
فالمالكي, وهو يلقي خطاب التنحي, كان منظره مثيرا للتأمل وهو محاط بجمهرة من رفاقه في ائتلافه الذي تخلى عنه, ومنهم خليفته غير المتوقع حيدر العبادي الذي كان ترشيحه نتيجة وثمرة لصفقة سياسية وتوافقات غربية -إيرانية كانت معدة منذ فترة, وتحديدا منذ أن زار الأميرال الإيراني الحرسي علي شمخاني العراق واجتمع بقيادات التحالف الوطني, وحيث أصدر الولي الإيراني الفقيه حكمه المبرم والحازم بضرورة إبعاد نوري المالكي وتمرير صفقة, غير معلنة, تقضي بانسحاب هادىء للمالكي من المسرح السياسي العراقي مقابل عملية تحصين قانونية شاملة له ولأنصاره و عصبته في “إمبراطورية طويريج” تمنع مساءلته ومحاسبته عن الكوارث والخطايا والجرائم الكبيرة التي صدرت من مكتب القائد العام المطرود, وإسدال الستار على الماضي القريب, وعلى الملفات الساخنة للانتهاكات التي ميزت حكم المالكي طيلة الأعوام الثمانية العجاف.
فالقائد المختار يريد أن يفلت من الحساب وهو عسير للغاية ومعقد, ويمكن أن تدخل ملفاته ضمن دائرة محاكمة العصر في العراق إن تمت طبعا! فالمالكي الذي جاء للسلطة نتيجة الصدفة التاريخية المحضة عام 2006 , وكان مجرد عضو مناوب في مجلس الحكم, ثم عضو برلماني, وبعد فشل زعيمه السابق إبراهيم الجعفري وتوريطه البلد في حرب أهلية كانت مستعرة, وصل الى محطة الفشل الكارثي نفسها لزعيمه السابق ووضع العراق بالكامل على سكة الحرب الأهلية الدموية, يضاف الى ذلك ملف الجرائم الشنيعة التي اقترفتها حكومة المالكي ضد جميع المكونات العراقية, بدءا بالشيعة أنفسهم كما حصل في الزركا والبصرة ووصولا الى حملات الإبادة الممنهجة ضد المكون السني التي تزايدت وأضحت منهجا سلطويا في الشهور الأخيرة, و ما فعل في جريمة الحويجة عام 2013 إضافة الى تلفيقه الملفات الإرهابية المفبركة ضد خصومه, كما فعل مع نائب الرئيس الأسبق السيد طارق الهاشمي وكذلك رافع العيساوي, إضافة الى تهديداته الدائمة لرفاقه وحلفائه لانه يحتفظ بملفات إرهابية ضدهم سيظهرها في ساعات الحشر! لكنه طبعا لن يفعل ذلك أبدا لاعتبارات عديدة, أهمها أن موقعه السلطوي قد انهار وتقوض بالكامل, ثم أن تعهد التحالف بتوفير مناصب مهمة له في الحكومة المقبلة سيمثل إهانة حقيقية للشعب العراقي, ولدماء العراقيين وأموالهم وأعراضهم.
من يريد إصلاح العراق حقيقة عليه الابتعاد عن سياسة المجاملة والنفاق والتحلي بالثوابت والقيم, القانونية والدستورية, ومنع وتحريم تحصين أي سياسي مهما كان, فدماء الشعوب ليست ماء, والدمار الذي تسبب به المالكي للعراق لا يقل أبدا عن دمار مرحلة نظام البعث الذي كان.
لقد وضع المالكي أقاربه وأصهاره في موقع السلطة والقرار فخربوا البلاد والعباد, وكما قال سيدنا الإمام علي (كرم الله وجهه) “استأثر هؤلاء فأساؤوا الإثرة”! لقد مارس المالكي سياسة الأمويين وهو يدعي وصلا بسياسة أهل بيت النبوة الكرام رغم بعده عنهم بعد الأرض عن جوف السماء, لذلك لا يملك أي طرف عراقي سلطة إعفائه من المساءلة الجنائية و القانونية, لأن ذلك لو حدث سيكون فاتحة لعمل سيء لن يجلب الخير للعراق.
من أساء فعليه مسؤولية المحاسبة الكاملة والمالكي حين تنحى بالشكل التلفزيوني, وبعد اشهر طويلة من المنازلة والتحدي, والتأزيم, والتهديد بإنزال العصابات الطائفية للشارع, فإنه لم يقصد حلحلة الأزمة بقدر ما جزع و خاف من الرد الأميركي المؤلم الذي يعرفه جيدا, وسبق لصدام حسين نفسه أن كان ضحية له, خصوصا بعد رفع العباءة الإيرانية المباركة عنه و تركه وحيدا, فقيس الخزعلي و البطاط “الوطواط” و”أبو درع” وأبو ذراع مسلوخة” و المجاهد عبد طيطو لن يوفروا له حصانة حقيقية!
طبعا سيرحل المالكي سعيدا بالمليارات التي استحوذ عليها هو وأصهاره, و سيودع تماما حياة حسينية الحجيرة أيام زمان, وقد يقبع في أحد الأحياء اللندنية الراقية في غرب لندن, فالرفاق الإنكليز وهم الحاضنون التاريخيون لحزب “الدعوة” لن يقصروا في تقديم الخدمات له, لكن على البرلمان العراقي, إن كان يتحلى بروح الوطنية الحقيقية, التحرك لمحاسبة من تسبب بكوارث العراق, و أغلب الظن سيفلت المالكي من المساءلة, لأن المخرج والمنتج الأميركي والإيراني “عاوز كده”…! وتلك هي المأساة.
– See more at: http://al-seyassah.com/%d9%87%d9%84-%d8%b3%d9%8a%d9%81%d9%84%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%8a-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%a7%d8%a1%d9%84%d8%a9-%d8%b9%d9%86-%d8%b3%d9%86%d9%88%d8%a7%d8%aa-%d8%a7/#sthash.uUdFyF10.dpuf