اراء و أفكـار

الثورة مستمرة بهدف «مكافحة الطائفية»

د. نافع غضب الدليمي*

الثورة مستمرة بهدف «مكافحة الطائفية» الثورات تفشل عندما تنحرف عن الهدف المحدد لانطلاقها، على خلاف الدول التي يمكنها تغيير أهدافها وفقا لمصالحها.

ثوار العشائر في العراق واعون لهذه الحقيقة، وهم ماضون بثورتهم نحو هدفها المحدد منذ بدايتها وهو مكافحة ظلم الحكم الطائفي على أهلهم الذي جاء به الاحتلال، ويعتبرونه أساسا للإرهاب وللتفرقة والتهميش والإبادة بحقهم؛ لهذا وفروا أموالكم، ولا تأملوا بإمكانية نجاح بعض الشيوخ والساسة والأدعياء في تأسيس صحوات بأي خدع وأسماء جديدة لحرف ثورة العشائر عن مسارها وهدفها بحجة مكافحة «الإرهاب» تمهيداً للقضاء عليها.

فهدف الثورة كان ولا يزال وسيبقى محاربة (الطائفية) كخيار حتمي لا بديل عنه للحفاظ على الوجود، طالما ظلت السلطة بيد أحزاب تحكم العراق وأهله بموجب عقيدتها الصفوية التي تتناقض مع المواثيق الإنسانية المناهضة للعنصرية والعبودية، بما تنص عليه من تكفير لغير المؤمنين بها، بمن فيهم من مسلمين ومسيحيين وغيرهم من البشر. وتُجيز لهذا «بهتانهم. إهانتهم. والهتك بهم» أي إبادتهم، وهذا ما جرى في إيران بإبادة سكانها الأصليين قبل خمسة قرون، وما هو جار فعلا في العراق وسوريا من قتل وتعذيب وتغييب، وإبادة بالكيماوي والبراميل المتفجرة.

لهذا فإن أهالي المناطق الثائرة لا يرون عقلانية ولا واقعية بالدعوات للعدول عن ثورتهم ضد هذا الفكر الإبادي الحاكم، والانشغال بحروب بينهم لن تخدم في النهاية إلا إيران وأعوانها، ذلك بعد تجربة الصحوات السابقة التي استدرجوا فيها لطرد الإرهاب بنجاح، ثم قلبها الحكم الصفوي برضا المحتل وبالا عليهم بانتهاك حرياتهم وحياتهم وكراماتهم.

هذا واقع حال بتجربة مريرة لن تتكرر، وقد أثبت فيها أبناء هذه المناطق بدمائهم أنهم ضد الإرهاب أيا كان، لكنهم ليسوا مشروعا دائما لمرتزقة يجري التخلص منهم بعد إنجازه، فإن كان في الأمر مصلحة وطنية وإنسانية للعالم فقد أدوها بأعظم التضحيات ومن دون مكتسبات، لا بل حتى بظلم أنفسهم بتمكين الصفويين من أهلهم ومناطقهم. عليه إن كان الاحتلال يفتخر بتسريح جنود يدعي تأديتهم واجبهم الوطني لبعض الوقت، فالأولى به أن يجد بديلا لأهالي المناطق الثائرة في العراق لمكافحة الإرهاب الذي يقول إنه يهدد العالم ودول الجوار التي ما انفكت تصرخ محذرة من الإرهاب. والحقيقة أن أفضل حل هو أن تتجاوز دول الجوار العربية البيانات والمؤتمرات والمراكز وما يصرف عليها من مليارات، وأن ترسل قواتها لمواجهة الإرهاب في العراق وسوريا فعلا ومباشرة، تحت أعلامها أو علم الأمم المتحدة، وبالتأكيد لن يعترض أهالي المناطق الثائرة على ذلك، لا بل حتى الذين يفتخرون بأنهم «إرهابيون» يتمنون علنا دخول هذه القوات التي طالما تغنت دولها بقدراتها وأسلحتها المتطورة، ناهيك عن أنها مستريحة لعقود طويلة ولم تقاتل منذ نشأتها.

باختصار مفيد، ثوار العشائر في العراق باقون وهم الأقوى والأكثر عددا وانتشارا، ولمن لا يفهم واقع الحال بنية حسنة لا ضير من التكرار باختصار، بأن العشائر هي العنوان المفصلي الناظم لهويتهم المركبة، بحكم واقع طبيعي لأهل العراق، في أنهم ذوو توجهات وطنية وقومية وإسلامية في آن واحد، وفي أعماق كل منهم، ولا يرون في ذلك تناقضا. فهم وطنيون عند تهديد العراق، وعروبيون وإسلاميون عند تهديدهم بعنوانين قومية ودينية طائفية. هكذا تتحرك مشاعرهم الإنسانية وتوجهاتهم الفكرية كالأواني المستطرقة في نفس كل منهم وعبر هويتهم العشائرية، فهي الوحيدة الجامعة والمنسقة لتحركاتهم، والقادرة بهذا على استجماع مشاعرهم وتركيزها نحو توجهات أكثر موضوعية واعتدالا، وذات نفع عام بعيدا عن التطرف والعنف إن اقتنعوا بحلول تضمن حقا حقوق أهلهم وسلامة وطنهم ودينهم، لا كما يجري من رشوة بعض الشيوخ والساسة المجربين بفسادهم والمنبوذين من أهلهم كمرتزقة.

الخلاصة: يُفترض بالدول الداعية لمكافحة الإرهاب تفسير صور اعتمادهم علنا على المصنفين من قبلهم كإرهابيين من حزب العمال الكردي في مخمور لحماية استثماراتها النفطية، وقبله على حزب الشيطان في سوريا قبل اتهام الآخرين بالإرهاب. وفي كل الأحوال فإن ثوار العشائر هم جيشها المضمون، لا تخلي ولا بديل عنه، وهم بكافة فصائلهم وعناوينهم الوطنية والقومية والإسلامية لن يسمحوا بتكرار تجربة الصحوات، وأن ينخدعوا تحت أية مبررات من ذات الدول العربية والكبرى، التي ورطت بعض أبناء العشائر فيها من قبل، ثم تركتهم يواجهون مصير الإبادة والتدمير لأهلهم ومناطقهم تحت حكم صفوي ظالم حاقد، ورد بسطاء العراقيين على ذلك بالقول «بعد ماكو هيج بط يلعب شناو». كما لن يسمحوا بتكرار تجربة الجيش الحر في الاقتتال بين فصائل المقاومة، بما أطال عمر نظام بشار ويخدم أنظمة الاستبداد العربي ضد الثورات، والقول الأبلغ معنى في هذا كما نُشر لأحد القادة هو «لن نجرب لنكون أجرب من الجربا».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً