اراء و أفكـار

نوري المالكي: اللاعب الذي اكتشف أنه لعبة؟

رأي القدس*

في لحظات انسحابه الإجباري من مركزه الآفل، لا ينفك رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يحاول التمسّك بما شيّده من إحساس الدكتاتور الممسك بكل مقاليد المال والسلطة والأمن، غير عابئ البتة بما راكمه، من جهة أخرى، من فساد وظلم وطائفية وتخاذل مهين في السيادة الوطنية واستعداء فظّ لأغلب مكوّنات المجتمع العراقي.

في تمسّكه بالسلطة رغم اتفاق كل الأضداد عليه، من أمريكا، وإيران، والسعودية، والمرجعية الشيعية، والسنّة على اختلاف ألوانهم السياسية، والأكراد، وأغلب دول الإقليم (باستثناء النظام السوري طبعاً)، يدافع المالكي عن حقّه بأن يكون دكتاتوراً «كاملاً»، مثل نظيره السوري مثلاً الذي وضع سقفاً عالياً للدكتاتوريين العرب، بحيث يرفض التسويات والتراجعات ويمتنع عن تسليم كرسيّ الرئاسة المبقّع بالدم والمطرز بالجماجم والمؤامرات، ولو انهار البلد كلّه فوق رأسه.
لذلك لا تهم المالكي تفاصيل عابرة مثل انهيار جيشه وهزيمته، وتفكّك بلده، وانفضاض حلفائه الأقربين عنه، وسحب الغطاء عنه دوليا وإقليمياً، وانحسار سلطته البائسة حتى عن حزبه الذي يدّعي قيادته.
وكما هو الحال في مجالس العزاء، لا يمكن أن ينفضّ السامر دون تسليات عظمى تثير الضحك بقدر ما تدفع الى البكاء.
لا ندري أي الأشياء التي يفعلها المالكي الآن أكثرها إثارة للسخرية، هل هو حديثه حول إطاحة الولايات المتحدة الأمريكية بـ«الدستور العراقي» وانتهاكها له، وهي الدولة التي أشرفت على تأليفه وطبخه وإخراجه أصلاً، أم هي «تظاهرات» التأييد التي أطلقها بعض المستفيدين من حكمه، في تصدية مزعجة لما فعله زملاء طغاة في غير بلد ومكان عربي، أم توجيه بعض وحدات الأمن او الجيش للسيطرة على مراكز في العاصمة بغداد، في «بروفة» غبية لانقلاب عسكري على العالم كله، وليس على البرلمان العراقي أو الدستور الذي يتمسك بكل نقطة وفاصلة منه!
لعل المالكي أكثر المتفاجئين بما يحدث فكلّ السلطات العسكرية والأمنية والمالية التي جمعها (ناهيك عن سلطته المباشرة على ميليشيات عسكرية طائفية مثل «عصائب أهل الحق»)، فقد انتبه (أو لعلّه لم ينتبه) الى أن كل هذه الخيوط ليست في يده هو، وأن اللاعب الذي يحرّك الخيوط ليس إلا لعبة بدوره، فمن يسلّم أوراقه لإيران لا يستطيع الزعم أنها ملكه، ومن يؤسس لزعامة طائفية، لا يستطيع منع المرجعية الشيعية من صرفه بالتي هي أحسن، ومن يوجّه مدافعه الى مدن السنّة عليه أن يتوقع أن تنقلب المدافع ضدّه.
كل ما يفعله المالكي ينسخ من كتاب الظلمات الذي خطّه الطغاة العرب، والذين غلبت بعضهم موجة الثورات الكبرى، وما زال بعضهم الآخر ينازع آلام ولادة عالم عربي جديد لا يريد أن يصدّق ولادته.
في تاريخ العراق القديم والحديث طغاة كبار مثل الحجاج بن يوسف الثقفي وأبو جعفر السفاح وصدام حسين، ولكنّ نوري المالكي، رغم كل ما فعله من طغيان وفساد لن يجد مكانه حتى بين هؤلاء الذين كان لدى كل واحد منهم مشروع يؤسسه، وكان البطش جزءاً من أدواتهم لصنع تلك المشاريع.
فشل المالكي الأكبر هو أنه لم يستطع حتى أن يكون دكتاتوراً ذا مشروع، ولن يبقى منه في التاريخ إلا بائع المسابح في السيدة زينب الذي باع سيادة بلاده لإيران، وفكّك وطنه، وأنهى مشروع الديمقراطية في العراق.
المالكي الذي أراد صنع مأساة تليق بدكتاتور انتهى بمهزلة تليق بمهرّج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً