من يعيد بناء الثقة بين مكونات العراق؟
العراق يمر بمرحلة تاريخية هامة، قتل وتقتيل، سرقة ونهب، تفتيت و تشرد، نزوح وهروب، قتل على الهوية واللاهوية، قتل على التسمية والمناطقية.
فيما يبدو ان الاوضاع التي تمر بالبلاد وتتسارع الاحداث فيه كأنها تحدث في عالم اخر بالنسبة للحكومة التي لاتعترف بأنها حكومة تصريف الاعمال وبالنسبة للساسة العميان في بغداد كأن الذي يحدث شيء بسيط يمكن ان ينسووه كما ينسسون وعودهم للشعب بين ليلة وضحاها… تذكروا جيدا ان الناس البسطاء ليسوا مثلكم.
البلد يتفتت، والارهاب يعشعش في كل زواياه، التخلف يستقر في النفوس والعقول وهو العائق الاخطر، المواطنون بدؤا يفقدون الثقة في الغد، ومئات الالاف من النازحين تتغير بهم الاماكن كأمواج البحر الهائج كل يوم، والالاف من ابناء البلاد يتركون البلد غير مأسوفين، يحدث كل هذا ولاتوجد اية بوادر بان هناك حلول سريعة ، عجيب امر ساسة بغداد وقادتها.!
كل هذا الذي يحدث لاحد يعترف بمخاطره على المستقبل، عشرات الصور والتقارير التي تتناول وقوع مجازر في البلد، ومصادرة الممتلكات والاستيلاء على البلدات، تنشر كل يوم والساسة منشغلون بنشر الاتهامات والعهر السياسي وعقد اللقاءات والظهور على الشاشات وكأن الذي يحدث في جرف الصخر او تكريت، او القصف على الفلوجة والموصل هو ما يحدث في قارة اخرى لا علاقة لها ببلاد الرافدين كأن تدمير جسر وقطع طريق بين مدينتين امر هين وقطع ارزاق الناس ومصادر معيشتهم امر ايضا جدا هين كما فعله دولة رئيس الوزراء بحق موظفي اقليم كوردستان ولم يخجل وزار احد ابرز قادته !!.
العلاقات الاجتماعية تتفتت واثارها اخطر بكثير من النهب والسرقة، المواطنين الذين كانوا جيرة، يعيشون مع بعض من مئات السنين يتناولون من مائدة واحدة، يتشاركون الاحزان والافراح، على غفلة من الزمن صاروا اعداء لبعضهم، يسرقون ممتلكات بعضهم، ينشرون الاكاذيب عن بعضهم، بحجة ما قاله هذا الراوي او ذلك المفسر او ذلك العالم الرابض في نعيم لايهمه من امر الامة شيء. … فمن يعيد الثقة التي انهارت بالكامل بين كل المكونات العراقية؟، من يعطي للمسيحي الامان كي يعود الى مدينته الموصل بعد الذي جرى لهم وبعد ان سرق جاره ممتلكاته واثاث منزله وهو يفترشها الان، فيما صاحبها لايجد بما يقي نفسه من قيض الصيف؟، من يعطي الثقة للشبك في انهم سيستطيعون العودة الى الموصل بأمان؟، من سيقول للايزيدية عودوا الى الموصل بأمان؟ـ من يقول للذي هاجر البلاد بسبب العنف والارهاب والطائفية والتطرف الديني ارجع فقد ولت تلك الايام؟ من يرجع لأهالي تلعفر البسمة الى وجوههم لكي يعودوا ويستقروا في مدينتهم ويزوروا مزار النبي خدر الياس كل شباط ؟، من يستطيع زرع الثقة لدى الكورد في بلدروز وطوزخورماتو وجلولاء بأن لا احد سيمسهم بسوء من الان فصاعدا؟ ومن؟ وماذا؟ ومن؟ وماذا ؟ ومن يعمل كي يعود الالاف من ابناء الفلوجة والرمادي وتكريت الى منازلهم بعد موجة عاتية من العنف المستمر منذ حوالي سنة؟؟ من يرجع مئات الالاف من الطلبة الى مقاعد الدراسة؟، من يرجع الاف الموظفين الى العمل كما في السابق ؟ … من سيعطي الثقة للموظف في اقليم كوردستان ان الحاكم القادم في بغداد سينظر اليه بنفس تلك النظرة التي ينظر اليها لأبنه واقرباءه ولايسرق قوت يومه ومصدر معيشته؟ . من الصعب جدا ان يرجع موظف الى مقر عمله واخر بقي بعدما حدوث موجة القتل على الهوية في الموصل مثلا ، والاثنان كل واحد ينظر للاخر كأنه من عالم مجهول كيف سيثقون ببعضهم ؟.
هذه هي الاسئلة المهمة؟ هذه الاسئلة التي لايفكر بها قادة الحكومة التي تصرف اعمال البلاد وثروات البلاد تنهب وهي ساكتة، وابناء البلاد يقتلون وهي ساكتة وصامتة، سجناء البلاد ينقلون من موقع لاخر كي يقتلوا في الشارع وهي لاهم لها…. هذه هي الاسئلة التي على ضوئها يتقرر مستقبل البلاد وليست تلك التي تتعلق بـ من يتولى تلك المسؤولية ومن لايتولى الاخرى، هذه هي الاسئلة التي تحكم على ضوئها بناء المستقبل، واعادة الثقة بين المكونات العراقية التي لم تعد موجودة، اسئلة من يقرر المستقبل وشكله، اسئلة من يعمل من اجل بناء الانسان ووضع الخطط للاستفادة من الخيرات الهائلة في البلاد، فلو احكم ساسة بغداد للعقل فان الخيرات الموجودة في العراق تكفي بناء دول ودول، لأكتفوا منها وسرقوا ما يشبع انف انفهم وعاش الناس بأمان واستقرار ايضا، فقط لو فكروا بأبناء البلد بكل مكوناته قبل التفكير بـ كم سنة يبقون في كراسيهم ومناصبهم وتركوا الحقد والضغينة جانبا.