اراء و أفكـار

حسابات آخر العام

عبد الخالق كيطان*

بدءاً من اليوم سأحاول أن أخصّص مساحة مناسبة في هذا العمود لمراجعة العام 2013 وأحداثه المختلفة. لم يعد يفصلنا عن العام الجديد سوى بضعة أيام. العام الذي يشهق شهقاته الأخيرة الآن لم يكن، عراقياً، ليشذّ عن الأعوام التي سبقته لجهة كثرة الموت واعتباطيته.

ولم يكد يمر أسبوع دون سفك المزيد من الدماء. كل ما فعلته القيادات الأمنية، والسياسية على حد سواء، هو إدانة القتل. إدانة لفظية لم تختلف عن الإدانة التي يوجهها الكتاب والمراقبون والمواطنون في “الكيّات”.

مناقشة المعضلة الأمنية لم ترتق لتكون هماً وطنياً. فعلى مستوى الجمهور ظل ينظر إلى هذه المعضلة من خلفيات طائفية وقومية ودينية مختلفة. لم يتحوّل الموت المجاني في العراق إلى قضية رأي عام. وأعتقد أن هذا التصوّر سيستمر. الانقسام السياسي الذي حصل بعد العام 2003 ألقى بظلاله الأكيدة على الناس فحصلنا على انقسام مجتمعي خطير ومخيف يؤثر في أغلب مفاصل حياتنا.

ولقد تحدّثت بالأمس عن المعضلة الأمنية، وتحدثت قبلها مرّات ومرّات، ويبدو أن لا جدوى من الخوض في هذا الموضوع. ما أريد الوصول إليه، أن الوعي الجمعي بخطورة هذه المعضلة قد يساعد في الوقوف ضدها. هل لاحظتم أننا لم نخرج في تظاهرة واحدة، واحدة فقط، لإدانة الإرهاب والقتل اليومي؟ حشرنا أنفسنا في الاتهامات فقط: من الذي يقتل، ولماذا؟ أنت.. أو أنا؟

المراوحة في الملفّ الأمني قابلتها مراوحة في العملية السياسية، بل أن هذه العملية تراجعت إلى درجات مخيفة، والسبب في الاحتكار. الفرقاء كلهم، سنّة وشيعة وأكراد، يتحدثون عن احتكار السيد رئيس الوزراء نوري المالكي للسلطة، وتفريعاتها. كثيرون اتهموه بشرعنة الديكتاتورية، أو الشروع في شرعنتها. ولكن، لا أحد من هؤلاء الفرقاء استطاع أن يغيّر شيئاً في واقع الحال. مضت الشهور الماضية تكرّر ذات السيناريو: المالكي يخطب هنا، والفرقاء يخطبون هناك، وبين الخطبتين نار يتّقد لهيبها حيناً على شكل سيارات مفخّخة وأجساد محترقة، وحيناً على شكل قبلات بلا معنى لا تستطيع تبريد الشارع لأكثر من ساعات!

وبسبب الأزمتين: أزمة الملفّ الأمني وأزمة العملية السياسية، زادت الهوّة المجتمعية. لقد تمّ القاء القبض على الالاف من المواطنين بتهمة 4 إرهاب، مما دفع بذوي هؤلاء إلى الإعتقاد بأن الموضوع لا علاقة له بالارهاب بل بمعاقبة أبناء طائفة معينة. ثم كان مسلسل تخوين وشيطنة الخصوم، وبالتالي ما عاد يعرف بسياسة الملفّات، والتي أطاحت، مرّة أخرى، بوجوه بارزة من أبناء تلك الطائفة بشكل خاص، ما أدى إلى تراكم الإحساس بالظلم لديهم، ما أضطرّهم إلى الخروج متظاهرين، بأرقام غير مسبوقة، للتعبير عن غضبهم ومراراتهم مما يحصل. الحكومة لم تفعل شيئاً بأزاء ذلك سوى العناد، والمماطلة!َ الجمهور الغاضب تمّ استغلال غضبه. الجميع يمارس ألعاب التمييع!

لم يترك العام المنتهي وراءه غير صور تقليدية، يمكن تلخيصها بسيطرة الإرهاب على غير مدينة. عمليات مسلحة تستهدف مراكز المدن بدقة متناهية. عمليات أخرى لتهريب السجناء بدقة أكبر. عمليات إرهابية تستهدف مراكز السلطة وعناوين هيبتها. ظهور الميليشيات العلني. التناحر الطائفي عبر شاشات الفضائيات وساحات التظاهر المختلفة. ظاهرة الجثث المجهولة الهوية. الفساد المسشتري في أغلب مؤسسات الدولة. الغياب الكامل لأي مشاريع إعمار بارزة. ترد مستمر في الخدمات. انقسامات سياسية متلاحقة. وعدم ثقة كامل بين الفرقاء. شتائم متبادلة عبر البيانات والبيانات المضادة. خوف مجتمعي من القادم. أحلام مطفأة. هجرات جماعية منتظمة. يأس كشفته أرقام المشاركين في انتخابات مجالس المحافظات. وارقام الذين حدثوا سجلاتهم الانتخابية استعداداً لانتخابات العام الجديد النيابية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً