اراء و أفكـار

عباس يطلب المستحيل

عندما توجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى مجلس الأمن، لم يقصد المواجهة مع الولايات المتحدة، و«إسرائيل»، ولا أن ينفض يده من المفاوضات، ولا أن يعلن استقالة السلطة الفلسطينية من مهامها، ودورها، وتسليم الضفة الغربية إلى الاحتلال، رغم أن «السلطة أصبحت من دون سلطة وتعمل عند الاحتلال»، كما قال. ذهب عباس بمطالب متواضعة تمثل الحد الأدنى من المطالب التي تلبي بعض الحقوق الفلسطينية ومن خلال المفاوضات «لأنها الطريق الوحيد نحو السلام».. أي لا بديل عن المفاوضات، بمعنى أنه غير مقتنع بأي خيار آخر، مثل المقاومة المسلحة، أو حتى المقاومة الشعبية السلمية.
كل ما طالب به هو الخروج من حلقة المفاوضات العبثية برعاية أمريكية التي لم تحقق شيئاً على مدى أكثر من عشرين عاماً، والتي كان مسك ختامها اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لـ «إسرائيل» ونقل السفارة الأمريكية إليها، وهو القرار الذي كان بمثابة «القشة التي قصمت ظهر البعير»، جراء تفرد واشنطن بالمفاوضات.
عباس كان متواضعاً جداً في مطالبه، فهو دعا إلى تشكيل آلية دولية متعددة الأطراف منبثقة عن مؤتمر دولي لحل القضية الفلسطينية، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، التي لم تنفذ «إسرائيل» شيئاً منها «لأنها تتصرف كدولة فوق القانون الدولي، وحولت الاحتلال إلى استعمار استيطاني دائم».
ذهب عباس إلى مجلس الأمن كي يكسر الحلقة المفرغة، ويفتح نافذة للحل طالما لا حل في عهدة الوسيط الأمريكي، بل المزيد من الاستيطان، والتهويد، والإرهاب، وتثبيت الاحتلال، وفرض الأمر الواقع.
تجاوز عباس كل الدعوات لتحديد استراتيجية مواجهة شاملة مع الاحتلال، وتوطيد أسس المصالحة والوحدة الفلسطينية، ووضع برنامج نضالي طويل الأمد، رغم معرفته الأكيدة أن «إسرائيل» لن تقدم شيئاً من خلال مفاوضات برعاية أمريكية أو دولية، ومع ذلك يصر على أن «تبقى أيادينا ممدودة لصنع السلام، والعمل على إنهاء الاحتلال وفق حل الدولتين»، و«الاستعداد لتبادل أراض بشكل طفيف باتفاق الطرفين».
ماذا كان رد الفعل الأمريكي، و«الإسرائيلي»؟ ردت المندوبة الأمريكية بعنجهية «قرارنا بنقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى القدس لن يتبدل، سواء أحببته أو كرهته»، و«ليس مطلوباً من الفلسطينيين أن يقبلوا أو يرفضوا الاعتراف بالقدس عاصمة «لإسرائيل»»، ووضعت عباس أمام خيارين لا ثالث لهما، «إما التحريض على العنف، أو طريق التفاوض والتسوية» برعاية أمريكية. ولم يكن رد المندوب «الإسرائيلي» أقل غرورا وخلطا للأوراق، فقد اتهم عباس بأنه لا يريد السلام ويحرض على العنف.
يدرك عباس أنه يقوم بنطح صخرة «الفيتو» الأمريكي المعتاد في مجلس الأمن، فهو لن يحصل على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ولن يتمكن من تغيير مسار المفاوضات من خلال آلية دولية جديدة، ولن يتمكن من إقناع الإدارة الأمريكية بالتراجع عما تؤمن به من حق «إسرائيل» في أن تفعل ما تشاء طالما ترى أنه ضروري لأمنها.
عباس يطلب المستحيل، رغم أن الممكن متوفر لدى الشعب الفلسطيني الذي يعرف «إسرائيل» جيداً، ويدرك أنه يخوض معركة وجود.. فهل يعود إلى شعبه بدلاً من التشبث بحبال الهواء؟

الخليج

مقالات ذات صلة