اراء و أفكـار

الإرهاب الإيراني على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة

استبق النظام الإيراني انطلاق أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بجملة تصريحات توعدت بردود سريعة على أي محاولة أميركية لإلغاء الاتفاق النووي المبرم مع إيران في يوليو 2015.

علي خامنئي حذر من خطوات أميركا الخاطئة. إيران تواصل تنفيذ ما وصفته بمشروعها لمواجهة الإجراءات الأميركية بدعم من برلمانها الذي أعطى الضوء الأخضر لتطوير صواريخها التقليدية والباليستية، وكذلك دعم الحرس الثوري وواجباته خارج الحدود.

الرئيس الإيراني حسن روحاني كان تهديده إذا ما تم إلغاء الاتفاق مختلفاً وعلى طريقة المظلومية بدعوته العالم للوقوف مع إيران بوجه أميركا أو أي جهة أخرى تعرقل تطبيق نصوص الاتفاق، ومن ضمنها رفع العقوبات التي دخلت في بداية 2016 مرحلة التنفيذ.

الولايات المتحدة الأميركية بإدارة الرئيس السابق باراك أوباما والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وبرفقة ألمانيا وضعوا مصالحهم الاقتصادية واستثماراتهم مع إيران في المقام الأول من اهتماماتهم.

أوروبا نتفهم ربما تجاهلها للمخاطر السياسية ذات الصلة بالاتفاق لأنها تنظر بعين واحدة إلى سوق العمل وتعطش إيران للمشاريع بعد رفع العقوبات عنها، حتى أن روحاني أعلن حينها عن ارتفاع مؤشر الاستثمار إلى أكثر من 13 مليار دولار.

روسيا والصين تبسطان لإيران أذرعهما لغايات أعمق من مجرد توافق دولي للحد من انتشار السلاح النووي. الدولتان تشتركان مع الدول الأخرى في نقطة التقاء فوائد الاقتصاد، فالنظام الإيراني يمثل لهما وسيلة ضغط على الولايات المتحدة الأميركية رغم أنهما في فترة الرئيس أوباما غابتا عن الساحة الدولية وكان فيها الاتفاق النووي مع إيران كأنه حمل ثقيل أزاحه الرئيس الأميركي عن كتفه مع أنه يقرأ جيداً تداعياته القريبة الصادمة للمجتمع الدولي وللقيادة الأميركية القادمة، ونعني بها إدارة الرئيس دونالد ترامب التي لم تتأخر كثيراً في الرد على إيران، أو بالأحرى على سياسة الرئيس أوباما عندما فرض الكونغرس حزمة عقوبات على كوريا الشمالية وروسيا وكذلك إيران.

أي إن الاتفاق النووي تلاشت بعض أهم فقراته وما روج له من مشاعر الانتصار والاحتفال بتحقيق الإنجاز الذي دفع أميركا والدول الموقعة عليه باعتباره يوماً استثنائيا.

إزاحة الحمل عن كتف الرئيس أوباما كما هو واضح الآن كان ترحيلاً لمشروع السلاح النووي الإيراني ولسنوات معدودة لم يتبق منها سوى 8 سنوات إذا ما استمر العمل بالاتفاق.

لا يمكن للفاعلين على الساحة الدولية تجاهل الحرب العالمية على الإرهاب بتشظياتها، خاصة بعد تفشي ظاهرة الإرهاب في أوروبا بعمليات فردية أو بمجموعات صغيرة. لهذا إدارة الرئيس دونالد ترامب عندما تضع إيران كدولة راعية للإرهاب في العالم إنما تضع الرؤية القاصرة لدول أوروبا، وتحديداً ألمانيا وفرنسا، في حرج لتغاضيها عن حقائق دامغة تثبت تورط النظام الإيراني في تعميم الفوضى والتخريب بدعمه المعلن لفصائل وميليشيات يسوّق لها كأدوات لمحاربة الإرهاب أو لإنقاذ نظام منهار تابع وخاضع لمشروعه القومي وتوجهاته العقائدية كالنظام السوري.

مصطلحات السياسة في إيران أصبحت مبعثاً للملل لتكرارها، لكن حتى الملل من متابعتها هو سياسة إيرانية في الرهان على المطاولة.

الدعم السري الإيراني للإرهاب صلته وثيقة بالتحريض على صناعة الحرائق وصناعة أدوات إطفاء الحرائق في حالات منها أو الدفع لحرائق شاملة تستدعي استنفارا دولياً.

ألم يكن تنظيم داعش سبباً رئيسياً في تدمير المدن وإزاحتها ديمغرافياً ونفسياً عن طريق إيران لتصل إلى البحر المتوسط ولغايات الانتقام والثأر من هزيمتها العسكرية في الحرب مع العراق وهي عقدة من الصعب معالجتها، فالهزيمة حقيقة ماثلة للعيان وفي لحظات فارقة بإمكان الشعب العراقي والعربي أن يستحضرها لينتفض على تمدد إيران في العراق أو في المنطقة. ذاكرة انتصار العراقيين على النظام الإيراني وعملائه الذين قاتلوا معه حاضرة ولن تلغى أيضاً من ذاكرة العرب.

الاتفاق النووي مع إيران أطلق مشاريع الإرهاب المتتالية وحماسة الميليشيات التابعة للحرس الثوري لأداء مهماتها الخارجية دون جرد حساب أو عقاب دولي عن جرائمها وخروقاتها.

هل من شك في دور إيران في العمليات الإرهابية الواسعة أو المحدودة في أنحاء العالم؟ النظام الإيراني حافل حتى في سجله الداخلي بالقمع والقتل وارتكاب الانتهاكات ضد أبناء جلدته وضد الشعوب الإيرانية بمختلف أعراقها ومنها الشعب الكردي.

الأزمة حول الاستفتاء في العراق ورغبة إقليم كردستان في الانفصال تدخلان في صلب أهداف سياسة إيران ومناورات صناعة الفوضى في مراحلها المقبلة.

أميركا غازلت إيران باحتلالها للعراق. أميركا كانت بديلاً في فترة إدارة الرئيس جورج بوش الابن لإنجاز مهمة فشلت فيها إيران بالاستيلاء على العراق عسكرياً.

الرئيس أوباما بسعيه لتوقيع الاتفاق النووي مع انسحابه من المنطقة ترك للنفوذ الإيراني عوامل قوته الأساسية لتدمير العراق ونظامه السياسي، بما حفز إقليم كردستان على الاستفتاء وعدم المبالاة بنتائج التهديدات الإيرانية والتركية وتهديدات حكومة حزب الدعوة في بغداد.

إيران تستمر في انتظار موسم حصاد غلة إرهابها. داعش بدأ يتبخر في الأجواء وما يسقط من رذاذه على أرض العراق لم يعد إلا نهاية لاكتمال حرث أرض الواقع لاستقبال أزمة ربما أخطر تتعلق بمصير تقطيع أوصال العراق لسنوات طويلة أو طويلة جداً.

الأكراد في إيران يوفرون للملالي حجة الهجوم السياسي والعسكري على الإقليم، والتبرير أن أكراد العراق يحرضون بالاستفتاء القومية الكردية في إيران على المطالبة بالمثل، وخوض غمار الصعاب تشبثاً بالأمل المحتمل في كردستان العراق.

إيران بتقاسمها الظروف والتهديدات مع تركيا ضد خطوة الاستفتاء تطرح للعالم مخاوف دولية مشتركة، فهي بالتوازي عندما تتحرك عسكرياً تحرك قطعات حرسها الثوري والمقصود هنا ميليشيات الحشد الشعبي التي بإمرة رئيس الوزراء حيدر العبادي وبحماية قانون هيئة الحشد الشعبي الذي أقره البرلمان.

هل هنالك سيناريو أفضل من سفك الدم العراقي لتنفيذ سياسات إيران؟ إبعاد الأذى عن أراضيها صار واضحا، لكنها تستعد لمواجهة ما يأتي به الغد من رصد واختبار لتحركات القوة العظمى وتقفي الأطروحات حول اتفاقها النووي.

روسيا والصين كانتا خارج اجتماع الرئيس الأميركي مع قادة الدول أو ممثليهم وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة لمناقشة إصلاح المنظمة الدولية. فرنسا أيضا تغيبت لأسباب ربما لها علاقة بموقف الرئيس دونالد ترامب وانسحاب أميركا من اتفاقية المناخ التي ترعاها باريس، رغم القمة التي انعقدت بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الأميركي.

وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لورديان تحدث في مؤتمره الصحافي عن تجنيب العالم مخاطر الانتشار النووي مشيراً إلى ضرورة الإبقاء على الاتفاق مع إيران.

رأي وزير الخارجية الفرنسي وآراء الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق ستتضح في الاجتماع مع نظيرهم الإيراني، وذلك أثناء المشاورات على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ترامب يصف الاتفاق بالأسوأ ويطالب بالمراجعة، في وقت نتوقع أن تطرح فيه أميركا إستراتيجيتها للتعامل مع إيران. الطروحات الإيرانية تبدو هجينة بما أعلنه الرئيس الإيراني حسن روحاني في دعوته لتقليص نفوذ الحرس الثوري وتحجيم استثماراته الاقتصادية وذلك يفتح أبواباً لتحليلات “الغزل العفيف” مع الإدارة الأميركية قبل سفر روحاني إلى نيويورك لإلقاء خطابه على منصة الجمعية العامة.

الإرهاب الإيراني لا يقتصر على الاتفاق النووي. لكن لمن يوجه روحاني رسائله عن الحرس الثوري ومهماته الخارجية وأنشطته الاقتصادية؟ ربما الجواب داخل إيران أو في العلاقة مع أميركا أو في مستقبل الميليشيات المتحكمة عسكريا وسياسيا بأزمات العراق والمنطقة عموما.

كاتب عراقي

حامد الكيلاني

نقلا عن “العرب”

مقالات ذات صلة