اراء و أفكـار

مادورو يكرس انقسام فنزويلا

كرَّس الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو حالة الانقسام والاستقطاب السياسي والمجتمعي في البلاد بعد الإعلان عن تشكيل جمعية تأسيسية، أغلبيتها من أنصاره ومؤيديه، وأنيط بها مهمة إعادة صياغة الدستور القائم، في مسعى منه إلى إعادة رسم معادلة جديدة تتيح له القبض على مفاصل السلطة بشكل كامل واستبعاد بقية اللاعبين السياسيين في البلاد، بعدما عززت المعارضة حضورها بشكل فاعل وقوي في الشارع الفنزويلي خلال الاحتجاجات التي شهدتها مؤخراً.
خطوة تشكيل الجمعية التأسيسية، التي تم انتخاب أعضائها من الموالين لمادورو، وسط اتهامات بعملية تزوير واسعة، أعقبتها خطوة أخرى لا تقل خطورة، تمثلت بإقالة النائب العام المستقل للبلاد، لويزا أورتيجا دياز، التي كانت من مؤيدي مادورو ثم انقلبت على حكومته الاشتراكية، ما زاد من قناعة الساحة السياسية الداخلية والمجتمع الدولي بأن الرئيس الحالي لديه توجه جديد يتمثل في إبعاد خصومه السياسيين عبر استخدام الدستور لمزيد من القمع.
التحرك الأخير لمادورو وجد رفضاً من قبل الأمم المتحدة، التي رأت فيه خطوة في اتجاه تعميق الانقسام داخل المجتمع الفنزويلي وتكريس الصراع السياسي بشكل أكبر من ذي قبل، الأمر الذي يهدد باندلاع أزمة عميقة بين السلطة القائمة والمعارضة، ستكون لها تأثيراتها السلبية في مجمل الأوضاع في البلاد.
لهذا الغرض دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس الطرفين، الحكومة والمعارضة، إلى الجلوس معاً إلى طاولة المفاوضات لإيجاد حل للأزمة بينهما بما يحقق مصالح الشعب الفنزويلي، لأن الأزمة الفنزويلية، برأيه، لا يمكن حلها من خلال فرض تدابير انفرادية، كتلك التي أقدم مادورو على اتخاذها بتشكيل الجمعية التأسيسية، ولكنها تتطلب حلاً سياسياً يقوم على الحوار والتوافق، فيما رأى الاتحاد الأوروبي أن محاولة مادورو إعادة صياغة الدستور والإطاحة بالنائب العام للبلاد، التي لم ترضخ لمشروع الرئيس، أدتا إلى تعميق الأزمة بشكل أخطر.
وأضاف مادورو عاملاً جديداً في مسار الأزمة القائمة، بعدما استغل وأنصاره الهجوم على قاعدة عسكرية تابعة للجيش للتأكيد على وجود مؤامرة للانقلاب على الحكم بتدبير من المعارضة، ما قد يطلق يد مادورو في تقييد نشاط الأحزاب وإسكات الأصوات المعارضة له، تمهيداً للإمساك بمقاليد السلطة بشكل كامل وإلى زيادة إضعاف احتمالات العودة السلمية إلى النظام الديمقراطي في البلاد.
حالة الاستقطاب التي تسود الساحة السياسية في فنزويلا في الفترة الحالية، تعمق المخاوف من انزلاق البلاد في أتون صراع طويل، تفقد معه الطريق الذي اختطته قبل سنوات من خلال دستور كان يوفر بعض الحقوق السياسية لكافة اللاعبين السياسيين، لكن الإجراءات الأخيرة التي أقدم الرئيس مادورو على اتخاذها، أظهرت ميلاً نحو عودة الديكتاتورية إلى البلاد واستبعاد حق المعارضة في المشاركة في العملية السياسية بشكل كامل، ما يفقد فنزويلا دعم المجتمع الدولي، الذي يخشى من عودة الديكتاتوريات إلى دول أمريكا اللاتينية.
الحوار إذاً هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة التي تشهدها فنزويلا في الوقت الحاضر، والتفاوض بين النظام والمعارضة الوسيلة المثلى التي من شأنها تجنيب البلاد مخاطر العنف، الذي تشهده دول عدة في أمريكا اللاتينية.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة