اراء و أفكـار

لماذا يا جوتيريس؟

عندما أعلن أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس في أواخر يناير/ كانون الأول أن المسجد الأقصى كان «هيكلاً يهودياً وملكاً لليهود»، في رد منه على قرار «اليونيسكو» اعتبار الأقصى «تراثاً إسلامياً خالصاً ولا دخل لليهود فيه»، لم يكن رد الفعل العربي والإسلامي على مستوى يليق بالأقصى الذي تعرض لتحريف وتزوير من جانب جوتيريس. وعندما تملص مؤخراً من تقرير لجنة «الإسكوا» الذي يعتبر «إسرائيل» دولة تمارس العنصرية على الفلسطينيين، وطالب بإلغائه بزعم أنه لم يطلع عليه مسبقاً، فقد كانت ردود الفعل العربية والإسلامية خجولة وباهتة وتكاد تكون معدومة، وكأن قراراً بهذا الحجم لا يعني أحداً، أو أن مضمون التقرير «مشكوك فيه» رغم أن واضعيه ،هما اثنان من الأمريكيين أحدهما يهودي، ويتضمن كل الأدلة والبراهين التي تؤكد عنصرية الكيان الصهيوني.
من جديد يخرج علينا جوتيريس ليؤكد حقيقة التزامه ب «إسرائيل» وتأييده لها ودعمه لعدوانها، ويكشف عن خلفية صهيونية توجه كل مواقفه وتصرفاته فيما يخص قضايا العرب وتحديداً القضية الفلسطينية.
إذ لم يسبق لأي أمين عام للأمم المتحدة من الأمناء الذين سبقوه، بدءاً من تريجفي لي (1946) وحتى بان كي مون أن شارك في المؤتمر اليهودي العالمي وألقى خطاباً فيه، تأكيداً من هؤلاء على احترامهم لأنفسهم أولاً، ولأن من يتولى هذا المنصب يجب أن يحافظ على«أمانته» وعدم انحيازه لأي طرف، كي يبقى محل ثقة وتقدير المجتمع الدولي، وبالتالي التزامه بميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان.
عندما يعلن جوتيريس أمام المؤتمر اليهودي العالمي أنه «سيتصدى لأي تصورات حول الانحياز ضد «إسرائيل» داخل المنظمة الدولية»، وإن «إسرائيل» يجب أن «تعامل كأي دولة أخرى»، فإنه يقصد حماية «إسرائيل» من أي إدانة مهما ارتكبت من اعتداءات أو مارست جرائم بحق الشعب الفلسطيني أو غيره، وهو بذلك يحول نفسه إلى حائط صد صهيوني في الأمم المتحدة، ويعلن بالفم الملآن أنه حليف ل «إسرائيل»، بل هو شريك للمؤتمر اليهودي العالمي في تطلعاته وأهدافه، ومن بينها دعم الحركة الصهيونية والمحافظة على «إسرائيل» بوصفها مركزاً للتراث اليهودي.
جوتيريس لا يتجاوز مهمته فحسب، بل يتعمد الاستهتار بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يؤكد حق الشعوب في حريتها واستقلالها والتخلص من الاحتلال والاستعمار والعبودية وهو ما ينطبق على الشعب الفلسطيني الذي تحتل «إسرائيل» أرضه ويتعرض لشتى أشكال العنف والحصار والإرهاب لحوالي سبعين عاماً، ثم يأتي جوتيريس ليعلن دعمه لها وعدم المساس بها وحمايتها.
للعلم، فإن هذا الأمين العام لم يعلن موقفاً من آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين دخل إضرابهم عن الطعام داخل سجون الاحتلال يومه الثامن، رغم أن مطالبهم تدخل في إطار المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والأسرى.
جوتيريس يعلن سقوطه، فهو يحول منصب الأمين العام للأمم المتحدة إلى ممسحة صهيونية.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة