اراء و أفكـار

«إسرائيل» والخطيئة الجديدة

حين يفوض المجتمع الدولي «إسرائيل» بتولي مسؤولية اللجنة القانونية الدائمة في الأمم المتحدة، ولا تحصل منافستها السويد على الموقع المذكور، فهذا يعني أن ثمة خللاً عضوياً وبنيوياً تعانيه المنظمة الدولية، وهو يكاد يكون مرضاً عضالاً لا يمكنها الشفاء منه، وإلا كيف يمكننا تفسير «منح» هذا التفويض لدولة هي الأكثر انتهاكاً لقواعد القانون الدولي المعاصر والقانون الإنساني الدولي، وحجبه عن دولة هي الأكثر احتراماً لحقوق الإنسان على المستوى العالمي؟
والأمر لا يتعلق فقط بسيادة قانون القوة، بل بتدهور مستوى التفكير والممارسة القانونية، لا على الصعيد السياسي فحسب، بل على الصعيد الأخلاقي والإنساني، إذْ كيف يمكن تبرير انتخاب «إسرائيل» لرئاسة اللجنة القانونية، وهي التي ترفض تطبيق عشرات القرارات الدولية المتخذة بموجب ما يسمى بالشرعية الدولية، ولا سيما القرارات الخاصة بالأراضي المحتلة وحق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني وحق اللاجئين بالعودة وغيرها؟
إن انتخاب «إسرائيل» لرئاسة إحدى اللجان الدائمة يحدث لأول مرة منذ انضمامها المشروط للأمم المتحدة عام 1949، وتعهدها باحترام حقوق الإنسان، وإذا كان للجنة قيمة رمزية فلأنها مثل اللجان الأخرى الدائمة: لجنة نزع السلاح، واللجنة الاقتصادية والمالية، ولجنة حقوق الإنسان، ولجنة إنهاء الاستعمار، ولجنة ميزانية الأمم المتحدة؛ تعطي رئاستها دوراً في متابعة تفاصيل تطور الملف الدولي بهذا الشأن، فما بالك حين يكون الملف قانونياً؟ وهو أكثر ما يشغل «إسرائيل» لأنه يتعلق بشرعية وجودها واستمرارها.
وكانت العادة قد جرت على نوع من التوافق لاختيار رئاسة اللجان الدائمة، لكن رفض المجموعتين العربية والإسلامية، اختيار «إسرائيل» اضطر الجمعية العامة لإجراء انتخابات، حيث فازت بأغلبية مريحة، فحصلت على 109 أصوات من أصل 193، وامتنع 23 دولة عن التصويت و14 دولة كان تصويتها غير قانوني، فألغيت أوراق تصويتها. وقال داني دانون وهو ممثل «إسرائيل» الذي تم انتخابه: إنه فخور بهذا الاختيار، وإن «إسرائيل» رائدة في القانون الدولي ومكافحة الإرهاب.
وفي الوقت الذي تم انتخاب «إسرائيل» لهذا المنصب، أقدمت على طائفة من العقوبات الجماعية ضد الشعب العربي الفلسطيني. فباشرت بفرض طوق كامل على بلدة المتهمين بتنفيذ عملية «تل أبيب» (بلدة يطا) وهدم منزلي عائلتيهما، وسحب تصاريح العمل التي يحملها أقارب الشابين (نحو 204 تصاريح) وإلغاء 83 ألف تصريح زيارة من الضفة الغربية وقطاع غزة خلال شهر رمضان، ومواصلة إكمال الجدار العازل العنصري (جنوب الضفة)، إضافة إلى عدد من القرارات السرية، التي يُعتقد أنها تتعلق باغتيالات ضد قياديين وناشطين فلسطينيين.
كل هذه الإجراءات اتخذتها «إسرائيل» عشية قرار انتخابها في 13 يونيو/حزيران 2016، وهي منافية لأبسط القواعد القانونية، سواء على المستوى الداخلي أو الدولي، حيث تحرم القواعد العامة لجميع القوانين الجزائية، العقوبات الجماعية، فالعقوبة أساساً فردية وهدفها ليس انتقامياً أو ثأرياً.
فكيف للأمم المتحدة أن تبرر انتخاب «إسرائيل»؟ وأين هي من قواعد القانون الدولي؟ ف«إسرائيل» لا تزال حتى الآن من دون دستور، لأنها ترفض مبدأ المساواة، مثلما لا تعترف بحدود لها، لأنها تسعى للتوسع على حساب الأراضي العربية، وفقاً لمشروعها الإجلائي الإحلالي من «النيل إلى الفرات».
ولهذه الأسباب، إضافة إلى سجل «إسرائيل» المنافي لحقوق الإنسان، اعتبرت جهات دولية حقوقية عديدة أن انتخابها لرئاسة اللجنة القانونية استفزاز للضمير العالمي وللمشاعر الإنسانية، وهو بمثابة مكافأة لها على خرقها للقواعد القانونية العامة من جهة، ولقواعد القانون الدولي والإنساني من جهة ثانية، وخصوصاً لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 وملحقيها لعام 1977.

ومن جهة أخرى، فإنه إهانة لقيم العدالة وحقوق الإنسان، إذ كيف يوكل أمر القانون الدولي لأكثر الدول انتهاكاً له؟ وكيف يوضع المُنتهِك حارساً عليه؟ مثلما كيف يحمي الظالم المظلوم؟ وهل بإمكان المحتل إقامة العدل؟ وهل بمقدور المعتدي تحقيق السلام؟ وأخيراً كيف يقيم الجاني العدالة.
إن انتخاب «إسرائيل» لرئاسة اللجنة القانونية، ليست الخطيئة الأولى للأمم المتحدة، فمثل هذه الخطوة غير الإنسانية وغير الأخلاقية، قد سبق أن اتخذتها في سابقة خطيرة، هي الأولى من نوعها على الصعيد العالمي حين قررت تقسيم فلسطين عام 1947.
وفي سابقة أخرى ألغت قرارها رقم 3379 الذي اتخذته في 10 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1975 حين اعتبرت بموجبه «الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري».
وهل أخطأت الأمم المتحدة حين وصفتها بالعنصرية استناداً إلى تقارير دورية لانتهاكاتها السافرة لحقوق الإنسان، على نحو منهجي ومنظم؟ وإذا كانت الأمم المتحدة قد تراجعت بفعل الضغوط الأمريكية التي مورست عليها، لكن الأمر لم يغير من نظرة أوساط واسعة من الرأي العام تدين نهج «إسرائيل» العنصري، فقد أعاد مؤتمر ديربن (جنوب إفريقيا) عام 2001، إلى الأذهان ذلك، حين أدانت نحو 3000 منظمة حقوقية دولية الممارسات «الإسرائيلية» ووصمتها بالعنصرية.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً