اراء و أفكـار

أميركا وإعادة تعريف العدو

أيمن الحماد

الرئيس الأميركي باراك أوباما في ضيافة الأمين العام للحزب الشيوعي الفيتنامي، هذا الحزب ذو النفوذ والتاريخ الكبيرين، والذي كان يرأسه يوماً «هو شِي منه» أو «العم اللطيف» كما يحب أن يناديه الفيتناميون الذي وقف نداً شرساً «للعم سام» رمز التجنيد الأميركي.

في القصة الأميركية – الفيتنامية ذكريات مؤلمة وحزينة لاتزال تسكن ذهن المؤسسة العسكرية الأميركية، فقد شكلت الحرب الفيتنامية جرحاً موجعاً في كبرياء تلك المؤسسة بعدما خرجت أميركا تجر أذيال الهزيمة بعد حرب العشرين عاماً عاجزة عن هزيمة دولة بحجم ولاية فلوريدا.

لقد أعادت الحرب الفيتنامية صياغة الاستراتيجية الحربية للولايات المتحدة، فبعد هذه الحرب لم تعد واشنطن تخوض أي حرب منفردة؛ بل في إطار تحالف عسكري، بالرغم من قدرتها البشرية والعسكرية والتقنية.. أما اليوم فنحن في حقبة أوباما الذي صيّر الأعداء أصدقاء، ربما لأن أميركا تريد إعادة تعريف مفهوم العدو بالنسبة لها، وفي الحالة الفيتنامية نرى أن حالة الانفتاح التي قادتها إدارة الرئيس أوباما تجاه هذا البلد الشيوعي وغيرها من الأنظمة الديكتاتورية في جنوب شرق آسيا، كما في حالة بورما، إنما يأتي في سياق الإستراتيجية الأميركية الموسومة أو المعروفة باسم «المحور الآسيوي» والتي تشير إلى انصراف أميركا نحو مصالحها في الباسفيك أو المحيط الهادئ، تلك الإستراتيجية جاءت استجابة للصعود الصيني على الساحة الدولية، وكجزء من محاولة الحد أو التقويض من هذا الصعود كان ولا بد لأميركا مد يدها لكل الأنظمة السياسية هناك، حتى وإن كانت لا تلتقي بل تتضاد مع المفاهيم والمُثل التي تروّج لها واشنطن وتدافع عنها، فالعقلية المصلحية هنا تتحكم في صياغة التوجّهات السياسية لدى صانعي القرار في النظام السياسي الأميركي، وأصبح يقيناً أنه مع سقوط الاتحاد السوفييتي لم تعد ترى واشنطن في الشيوعية أيديولوجيا مهددة لها بقدر ما أصبح مفهوم العداء يتركز حول الصين، وإن كان ولا بد من استخدام مفهوم الحرب الباردة في هذه الفترة حيث تنشط التجاذبات في الشرق الأوسط وفي الشرق الآسيوي، فإن طرفي هذه الحرب قد يكونا أميركا والصين، وليس روسيا حتى في الحالة الشرق أوسطية، فإن المصالح الصينية الضخمة مع روسيا تدفعها لمساندة موسكو، وهو ما حدث في الأزمة السورية على أقل تقدير..

صحيح أن بوناً شاسعاً بين واشنطن وبكين على مستوى الحضور السياسي والتفوق العسكري والتقني، لكن الاستراتيجيين الأميركيين لا يريدون أن يتفاجأوا ببلوغ الصين مرحلة التضخم، ولا تستطيعون معها احتواءها، لذا كان الدعم الأميركي لجيران الصين حتى وإن كانوا شيوعيين أو ديكتاتوريين نوعياً، فالدعم تعدى مسألة رفع الحظر الاقتصادي إلى الدعم بالسلاح، وهنا يجب أن ندرك جدية واشنطن في تنفيذ استراتيجيتها التي تتخذ منحنى استقطابياً حاداً.

نقلا عن “الرياض”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً