اراء و أفكـار

حرب باردة.. أم ماذا؟

لم يعد الحديث عن حرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة وروسيا مجرد تحليل، أو توقعات. هي تتجلى الآن في صراع يدور مباشرة وبالوكالة في أوكرانيا وسوريا.. وتشق طريقها بعنف وبالحديد والنار حيناً وبالدبلوماسية والسياسة حيناً آخر، لكنها تأخذ طريقها كي تستكمل صورتها النهائية.

وحديث جيمس كلابر مدير وكالة الاستخبارات الوطنية الأمريكية في شهادته أمام الكونغرس يوم الثلاثاء الماضي حمل أكثر من إشارة بهذا المعنى، في حديثه عن التدخل العسكري الروسي في سوريا وسباق التسلح المحتمل مع الولايات المتحدة، و«التحسن الكبير والمستمر للقدرات الروسية وثقة الكرملين في استخدامها كأداة لتعزيز أهداف سياستها الخارجية». ثم كان كلابر أكثر وضوحاً عندما تحدث عن ارتياب موسكو من خطط حلف الأطلسي لنشر الدرع الصاروخية في أوروبا لإبطال التهديد الذي تمثله أسلحتها النووية، محذرا من أن جهودها لمواجهة هذه الخطط قد تدفعها إلى حرب باردة. ولم ينس مسؤول الاستخبارات الأمريكي إلى القول إن إصرار روسيا على تأكيد أنها قوة عظمى وتشكل نداً للولايات المتحدة قد يؤدي إلى الدخول في «دوامة الحرب الباردة».
الحقيقة أن ما يجري ميدانيا في سوريا تحديدا هو حرب باردة يتم استكمال صورتها يوما بعد يوم، حيث يبدو أن الأمور تتخذ منحى تصعيديا بينما الجهود الدبلوماسية للتسوية السياسية في البلدين تضمر وتصطدم بالكثير من العقبات وخصوصا ما يتعلق بالمردود السياسي للأطراف المنخرطة في الصراع، ومدى المكاسب التي يمكن أن تتحقق للتعويض عما بذل من جهد ومال وأدوار على مدى السنوات الخمس الماضية، للحؤول دون تمكين موسكو التي دخلت بقوة إلى الميدان السوري من أن يكون كل الحصاد هناك في بيدرها.. وبالتالي الاستفراد بالمنطقة، وهذا يعني في الحسابات الاستراتيجية خسارة للولايات المتحدة، وهو أمر غير منتظر، ويعتبر مستهجناً ليس للولايات المتحدة فحسب إنما أيضاً للقوى الإقليمية التي طالما كانت تراهن على تحالفها معها.
الولايات المتحدة تعرف أن «موسكو ستواصل الدفاع عن دورها كقوة عالمية مسؤولة لا غنى عنها» كما قال كلابر، لكنها لا تقبل أن تخرج من المواجهة خاسرة لأنها تفقد دورها ومصالحها وحلفاءها وكذلك تخاطر بأمنها القومي لجهة ما تمثله المنظمات الإرهابية من خطر عليها، لذا تحاول واشنطن بالدبلوماسية الحصول لها ولهم على ما يمكن أن يعوض خسارتهم وخسارتها بدل الاندفاع نحو مواجهة عسكرية اشمل سوف يخرج الجميع معها خاسرين.. خصوصاً أنها قررت التوجه في استراتيجيتها الجديدة نحو جنوب شرق آسيا لمواجهة الصين كخطر مستقبلي مرئي وتخفيف وجودها في المنطقة التي لم تعد تشكل نقطة استراتيجية غاية في الأهمية كما كان الحال من قبل.
الحرب الباردة قد تأخذ أوجهاً عدة، وهذا التصعيد الكلامي في المواقف هو جزء من هذه الحرب، وكذلك السجال بشأن التدخل العسكري وإقامة التحالفات..
هذا كله دليل على أن الجميع يسعى لتحسين دوره وعدم خسارة أوراقه في حرب باردة قد تتحول في مرحلة ما إلى حرب ساخنة قد تكون عواقبها وخيمة، جراء خطأ في الحسابات أو حماسة زائدة، يقصد بها توريط صديق أو حليف له حسابات ومصالح أخرى.. لكن للكبار كلام آخر.!

نقلاً عن “الخليج”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً