اراء و أفكـار

شرق المتوسط لإسرائيل

مصطفى زين

تستغل إسرائيل الفوضى والحروب الأهلية، خصوصاً في سورية والعراق، وانهيار النظام العربي لتحقق أكبر قدر من المكاسب، سواء على الصعيد الداخلي في فلسطين، أو على صعيد العلاقات مع دول إسلامية وأخرى صديقة للعرب.
بدأت حكومة نتانياهو استغلال الفوضى في سورية من اليوم الأول للتمرد، ولم تكن في حاجة إلى بذل الكثير من الجهد، إذ تبرع بعض «القادة» والمثقفين برفع شعارات ملؤها الإعجاب بتجربتها الديموقراطية، والاستعداد لتوقيع اتفاق سلام معها فور سقوط النظام في دمشق. وذهب آخرون أبعد من ذلك، فأدوا واجب الزيارة لتل أبيب، مطلقين تصريحات معادية لكل ما هو عربي أو فلسطيني. وغلف بعضهم هذا التوجه بشعار «مستعدون للتعاون مع الشيطان لإسقاط الديكتاتور»، والمقصود بالشيطان «ملاك حليف» اسمه إسرائيل.
بعد تحول التظاهرات السلمية إلى حرب أهلية بدأت إسرائيل التدخل علناً. لم تعد تنتظر هذا «القائد» أو ذاك لزيارتها وتبادل المعلومات معها، بل فتحت مستشفياتها لجرحى المسلحين، تعبيراً عن حسها الإنساني. ثم طرحت فكرة شريط حدودي «آمن»، على غرار الشريط الحدودي اللبناني، ولم تجد صعوبة في تأييد هذه الفكرة. لكنها اصطدمت برفض أميركي، تماماً مثلما اصطدم أردوغان برفض واشنطن إقامة منطقة آمنة على الحدود السورية الشمالية، وتخلى عن الفكرة مكرهاً، خصوصاً بعد التدخل الروسي.
التدخل الإسرائيلي المباشر في الحرب الأهلية السورية تزامن مع تحرك سياسي في اتجاه الدول المحيطة بسورية، عربية كانت أو غير عربية، في محاولة لشرعنة هذا التدخل، طالما لم تبقَ دولة إلا ولديها نفوذ في الشام، إما عبر مسلحين أو عبر سياسيين انشقوا عن النظام وشكلوا مجالس وهيئات حظيت بتأييد كبير في المحيط وفي ما وراء البحار، فضلاً عن ذلك عززت تل أبيب علاقاتها القديمة مع الأكراد في شمال العراق، ومع جنوب السودان وأثيوبيا، وقد شجعتها على بناء «سد النهضة» لمحاصرة مصر.
بعد خمس سنوات على الحرب في سورية وعليها، حان الوقت كي تستثمر إسرائيل جهودها التي تكللت بالنجاح في إبعاد صفة العدو عنها لدى الكثير من الدول والمنظمات، مسلحة كانت أو غير مسلحة، إلى درجة أن أردوغان الذي حاول لعب دور البطولة في معاداتها، عاد ليعلن أن تركيا في حاجة إليها كما أن تل أبيب في حاجة إلى أنقرة.
وآخر ما حاولته إسرائيل، بنجاح كبير، إنشاء تكتل أو تحالف اقتصادي وسياسي مع قبرص واليونان، آملة أن تنضم مصر والأردن إليه، لتشكيل ما أطلق عليه معلق الشؤون العسكرية في «يديعوت أحرونوت» أليكس فيشمان، اسم «حلف دول الحوض الشرقي للبحر المتوسط».
ولأن التدخل في شؤون الدول وتشكيل التحالفات يحصل بذريعة محاربة الإرهاب، أكد رئيس وزراء اليونان اليساري أليكسس سفراس من تل أبيب أن لا بد من التنسيق الأمني بين الدولتين لمكافحة التطرف والتعاون في مجالي الطاقة والاقتصاد. وتوجت جهود نتانياهو بقمة ثلاثية عقدت في نيقوسيا حضرها سفراس والرئيس القبرصي نيكوس أناستادس، خصصت للبحث في حماية مصادر الطاقة في المتوسط.
لا تحتاج إسرائيل إلى إطلاق رصاصة واحدة، ولا إلى التورط مباشرة في الحروب الأهلية العربية، فقد كفتها الطوائف والمذاهب شر القتال، لكنها في الوقت ذاته تستغل هذه الحروب وما يليها من فوضى حين تتوقف لتخرج المنتصر الوحيد على حساب الدماء الفلسطينية والعربية. ولن نفاجأ إذا أعلنت يوماً ما ضم المسجد الأقصى إلى ممتلكاتها بحماية إقليمية ودولية.
شرق المتوسط لإسرائيل، أما نحن فالمتوسط، لإغراق لاجئينا الفارين من جحيم الحروب.

 

نقلا عن “الحياة”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً