اراء و أفكـار

الحرب التونسية على الإرهاب

مفتاح شعيب
الضربة الإرهابية التي أصابت قلب العاصمة التونسية، تحمل في طياتها رسالة دموية إلى الشعب التونسي بمؤسساته وأحزابه ومنظماته كافة، ولا يتوقف الرد عليها بتشديد الإجراءات الأمنية والعسكرية، بقدر ما تستدعي استراتيجية أمنية شاملة بإرادة سياسية حازمة ترقى إلى فداحة الجريمة، وتثأر لشهداء الأمن الرئاسي الذين سقطوا غدراً، وللذين سقطوا من قبل.

بعد التفجير مباشرة امتص التونسيون الصدمة، وهم المهيأون نفسياً وإعلامياً لهذه الفجائع، وسارع الرئيس الباجي قائد السبسي إلى إعلان حالة الطوارئ وفرض حظر التجوال ليلاً في العاصمة، وهو إجراء مألوف حين يتعرض الأمن الوطني للخطر، وأثبت نجاعة مؤقتة، أمّا الأمر الأكثر إلحاحاً فيتعلق بالجانب السياسي وضرورة ارتقاء أداء السلطات إلى مستوى التحديات الكبيرة.
لقد أعلن رئيس الحكومة الحبيب الصيد التطبيق الصارم لقانون مكافحة الإرهاب، بعد أن ظل هذا القانون مثار جدل وخلافات بين الأحزاب والمنظمات، ما أدى إلى إجهاضه في أكثر من مناسبة، مثلما تم إجهاض فكرة المؤتمر الوطني حول الإرهاب، الذي نودي به منذ بدء مسلسل الأعمال الإرهابية؛ وإثر التفجيرين الإرهابيين في متحف باردو وشاطئ سوسة الصيف الماضي، ومازال إلى الآن لم ير النور على الرغم من إبداء العزم على عقده في الفترة القليلة المقبلة.
عندما يصبح أمن الدولة مهدداً يُفترض أن ينحي المجتمع السياسي خلافاته جانباً، ويتوجه إلى العمل الوطني المشترك، ويُفترض أن الأحزاب والمنظمات تتنازل للمصلحة الوطنية وتدعم السلطات الرسمية، لكن الأسابيع التي سبقت العملية الإرهابية في شارع محمد الخامس أوحت بغير ذلك، فالحزب الحاكم «نداء تونس» منقسم على نفسه، وأحزاب المعارضة تشرق وتغرب في مواقفها حيال القضايا الراهنة، والنقابات؛ وعلى رأسها «الاتحاد العام التونسي للشغل» شنت سلسلة إضرابات، وهددت بشل الاقتصاد الوطني على خلفية مطالب اجتماعية محقة، لكن توقيتها غير مناسب ولا يتسم بالحكمة المطلوبة في مثل هذه الظروف.
المرحلة التي تمر بها تونس حرجة، والاستراتيجية الجديدة التي يتوجب على الحكومة أن تتوخاها ستحدد القدرة على القضاء على الإرهاب من عدمها، وما جاء من إجراءات عن إغلاق الحدود مع ليبيا اتقاءً من الشرور المقبلة من هناك، وحجب المواقع الإلكترونية المشبوهة، وتسريع البت في القضايا الإرهابية؛ لا يبدو أنها كافية لخوض الحرب التونسية على الإرهاب، وهي حرب تتطلب أكثر من أي وقت مضى التعبئة الشاملة والتغيير الجذري للأولويات الأمنية والعسكرية، ومراجعة العلاقات الإقليمية والدولية، وهي إجراءات تفرضها وقائع خطرة لا يمكن التهاون في مواجهتها لأي سبب من الأسباب.
تونس جزء من العالم الذي يواجه مخاطر إرهابية، وتنظيم «داعش» بات يضرب مثل «الطاعون» في كل الدول والمناطق، ولا يستثني أياً منها، ومن الحكمة أن تكون المعركة ضده ملحمة وطنية لا تختلف عن المعارك المصيرية التي خاضها الشعب التونسي عبر مراحل تاريخه.
والمعركة ضد الإرهاب واحدة من أعقد الحروب وأخطرها وتُخاض على مستويات عدة، ذلك أن هذه الظاهرة من صناعة دول ومرجعيات مختلفة، وليست حالة طبيعية انبجست من العدم. والتونسيون سيكونون في محنة صعبة وسيخرجون منها منتصرين كما انتصروا في السابق، فمن يمتلك شعباً واعياً ومتمدناً بإمكانه أن يصنع الحياة؛ ويقهر كل دعاة القتل والإرهاب. وهذه النتيجة لا اختلاف على تحققها، لكن الطريقة المثلى لبلوغها تتطلب خطة حرب مجدية يشارك فيها الجميع بلا استثناء، ووفق معايير صارمة لا مكان فيها للمجاملة أو المساومة على أمن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً