اراء و أفكـار

«داعش» ونفايات التاريخ

من جديد ترتكب «داعش» جريمة بحق الإنسانية والحضارة والتاريخ، لتؤكد أنها مجموعة من الرعاع والهمج التي أطلت على العالم من دهاليز متعفنة، خارج ما عرفته البشرية في تاريخها المديد، حاملة راية إسلامية مزيّفة لا علاقة للإسلام أو أي دين بها، ولا صلة لها حتى بالوحوش أو أي مخلوق على وجه الأرض.

آخر جرائم «داعش»، قيامها بتدمير «معبد بعل شمين» في مدينة تدمر السورية التي تضم آثاراً تعود إلى أكثر من ألفي عام، تحكي قصة حضارات قامت على أرضنا العربية، وظلت صامدة في وجه عاديات الزمن والحروب والغزوات، وظلت تروي حكايات مجد زنوبيا ابنة هذه الأرض وصمودها، التي قاومت كل محتل، وما ركعت لغاز أو غاصب أو طامع.

يزعم هؤلاء الهمج، أنهم دمروا المعبد، انطلاقاً من أن «عبادة غير الله شرك»، لكن من يمارس العبادة لغير الله في هذا المعبد؟ ولماذا لم يمسّه المسلمون أو يمسّوا غيره من الآثار، منذ بداية الدعوة الإسلامية وحتى الآن؟ ولماذا عبر عشرات القادة المسلمين على تدمر أثناء الفتوحات ولم يمسّوها بسوء؟ ألم يكن هؤلاء مسلمين وعلى أيديهم انتشر الدين الإسلامي، وبسط نوره على مساحات واسعة من المعمورة، وتمّ نشر روح المحبة والتسامح والتآخي والعدالة بين البشر؟

عن أيّ إله يتحدث «الدواعش»، وهم يفتكون بالبشر والشجر والحجر، ويدمّرون كل ما هو جميل على هذه الأرض؟ وأيّ دين يعتنق هؤلاء، وهم يمارسون القتل والسبي وقطع الرؤوس والذبح، ويستبيحون الأعراض، ويمارسون الزندقة والهرطقة؟

هؤلاء يمثلون نفايات التاريخ العفن الذي نزل على أرضنا، ليحطّ من كرامة الإنسان ويشوّه الدين الإسلامي، ويدمّر العقل ويجتثّ حضارات ممتدة تمثل ميراثاً للإنسانية جمعاء.

قبل أيام أقدم «داعش» على ذبح خالد الأسعد، ابن الثمانين عاماً مدير الآثار في تدمر، الملقب بحارس التاريخ، لأنه رفض مبايعتهم. ومن قبل كانوا دمروا «دير مار يوحنا» في بلدة «القريتين» بمنطقة حمص، وهو دير تاريخي يعود إلى مئات السنين.

وفي العراق أقدموا على تدمير نفائس وآثار لا تقدر بثمن، وتعود إلى العصور البابلية والآشورية والكلدانية، في متحف الموصل، وفي بلدتي الحضر والنمرود. كما قاموا باستئصال مكوّنات بشرية مثل الإيزيديين والسريان ومجموعات أخرى، كانت عبر التاريخ جزءاً من المنطقة العربية، في تأكيد تنوعها الديني والحضاري والإنساني، وهو التنوّع الذي كان في صلب العقيدة الإسلامية، وحافظ عليه المسلمون على مرّ الزمن.

نحن في مواجهة محنة حقيقية، ووباء قاتل يستفحل، من دون علاج فعلي وحاسم حتى الآن، لأن كل العلاجات المتوافرة التي تستخدم، هي اقرب إلى المسكّنات، مع أن الوباء واضح وطريقة العلاج الفعّال واضحة. لكن المصيبة أن من يقدرون ما زالوا يعتقدون بأن الوباء الذي شاركوا في تصنيعه لن يطولهم، ما دام يفتك بغيرهم، ويحقق لهم بعض أهدافهم، ويمارسون سياسات كيدية لن توفر لهم في نهاية المطاف المناعة ضد هذا الوباء.
المصدر: جريدة الخليج الإماراتية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً