اراء و أفكـار

هل سيقود هادي العامري انقلاباً في العراق؟

داود البصري
في المعارك الشرسة الدائرة حاليا في محوري الفلوجة و الأنبار, قدمت فصائل الحشد الشعبي خسائر مهولة بلغت الآلاف من العناصر البشرية وبما شكل صدمة حقيقية في مدن الجنوب العراقي و عشائرها, خصوصا التي ينحدر منها غالبية عناصر ذلك الحشد. إذ أعلنت عشائر محافظة بابل عن رفضها لإرسال شبابها لميادين القتال بسبب الخسائر المروعة. وكانت الصدمة مضاعفة لدى قيادة “فيلق بدر” المرتبط أساسا و تنظيميا و عقائديا بفيلق القدس للحرس الثوري الإيراني و الذي يقوده رجل إيران الأول في العراق العريف الهارب السابق هادي العامري الذي تحول لجنرال الجنرالات في العراق الراهن. فقد قدم تنظيم بدر خسائر بشرية هي الأعلى تجاوزت أعدادها المئات لتدخل في خانة الألوف بمن فيهم أسرى و مصابون و مفقودون لا يعرف أحد مصيرهم. لقد تعهد المارشال هادي العامري بأن يمحو مدينة الفلوجة من الوجود, وكذلك فعل نائبه الإرهابي أبو مهدي المهندس ووعدوا جماهيرهم بأن صلاة عيد الفطر ستكون في الفلوجة. وهو الأمر الذي لم يتحقق. ولن يتحقق أبداً, بل إن ما تحقق فعلا هو تقديم خسائر بشرية لم تكن متوقعة جعلت الشارع في الجنوب العراقي يغلي ودفعت بشيوخ العشائر للاحتجاج على حجم الخسائر المهولة, مع ما يعني ذلك من نكسة لجماهيرية التنظيم ولوجوده أيضا. وهو ما عبر عنه هادي العامري بنفسه عبر تصريحات عدوانية و ساخطة على السياسيين العراقيين وعلى العملية السياسية برمتها, في ضوء تصريحات ساخنة و متوعدة و خطيرة لعناصر قيادية في “تنظيم بدر” باتت تتحدث علنا ودون مواربة عن نيتها الانقلاب على العملية السياسية, بعد الانتهاء من معركة الفلوجة و الأنبار. وهو ما يعني ضمنيا افتضاح وانكشاف نوايا وخطط مستقبلية للسيطرة على العراق كجزء مهم و مركزي وفاعل من الاستحقاقات الميدانية, التي يرى قادة الحشد الشعبي أنهم يستحقونها لكونهم كما يعتقدون العنصر الحاسم في الحفاظ على النظام السياسي القائم في العراق. ولم تصدر التصريحات التهديدية من طرف العامري بل إن عنصرا طائفيا آخر مرتبطا بإيران وهو ( قيس الخزعلي ) قائد عصابة العصائب الإرهابية أشار أيضا لذلك المشروع الانقلابي بعبارات صريحة لا تقبل التأويل. وجميعها إشارات واضحة تؤشر على برنامج انقلابي ميليشياوي من صناعة وبرمجة و تخطيط الحرس الثوري الإيراني, يجري الإعداد له و طبخه على نار هادئة فيما لوضمنت الميليشيات السيطرة التامة على المدن العراقية الخاضعة لسطوة المعارضة المسلحة أو تنظيم الدولة, فقد أشار الخزعلي صراحة أنه لاأحد بإمكانه الوقوف بوجه إرادة الشعب من أجل تغيير العملية السياسية, وهذا الكلام تحريض صريح و دعوة للانقلاب في ظل الأزمة الوجودية الخانقة التي تعانيها الجماعات الطائفية المسلحة المنخرطة في برنامج فوضوي كبير جدا في العراق, هدفه النهائي إلغاء الدولة وتقسيم البلد نهائيا, أو محاولة فرض تطهير طائفي عدواني يهيمن فيه أهل التيار الإيراني على السلطة والقرار في العراق, دون أي اعتبار للمكونات العراقية الأخرى ضمن مشروع إمبراطورية الولي الفقيه التي تواجه اليوم معارك تاريخية وشرسة في الساحتين العراقية و السورية, تجعل من الحلم الإمبراطوري المعمم مجرد أضغاث أحلام, ورؤى ميتافيزيقية خيالية ليس لها أدنى حظ من التطبيق الميداني, لقد علمتنا تجارب التاريخ ودروس الحروب الأهلية عبر التاريخ أن الجماعات المسلحة لا ترمي السلاح بعد انتهاء الأزمة, بل تحاول فرض رؤاها و مصادرة السلطة و القرار, وهذا ما يحصل حرفيا في العراق المتورم بحكايات التاريخ وخرافاته, و بكونه للأسف بسبب القوى الطائفية و الحزبية السائدة فيه مازال يعيش على مشارف العصر الأموي. العدمية و الخرافة في العراق تحولت لحزب سياسي طاغ, والجماعات التي تقودها قيادات فارغة و مفلسة فكريا وسلوكيا تحولت لتكون المهيمنة على الشارع العراقي, في ظل فوضى عراقية لا مثيل لها في التاريخ الحديث, فالحكومة هي اليوم حكومات. و التصريحات المتناقضة باتت سمة الموقف. و التضامن الحكومي مفقود. و الكل يغني على ليلاه. فوزارة الداخلية مثلا لاعلاقة لها بتوجهات وزارة الخارجية, ونائب الرئيس نوري المالكي مثلا يطلق التصريحات النارية ضد السعودية ودول الخليج بينما رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة يرسلان باقات الورود لدول الجوار. إنها الفوضى الشاملة التي ينفذ من خلالها قادة المشروع الانقلابي الطائفي الإيراني الذين يستغلون حجم التبرم في الشارع العراقي, ويركبون عربة الفشل من أجل فرض نموذجهم السلطوي الفاشي. فهل ستقلب ميليشيات الحشد الطاولة على رؤوس العراقيين?
المصدر: السياسة الكويتية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً