اراء و أفكـار

العراق… في طريق الإفلاس الشامل

داود البصري
ما مر على العراق من كوارث عظمى لحروب طائفية متنقلة, ولعمليات نصب واحتيال خطيرة مارسها السياسيون الجدد الذين تعاقبوا على حكمه بعد الاحتلال الأميركي عام 2003 , قد جعل من البلد أكبر محطة كونية للنصب والاحتيال ولسوء تدبير الموارد رغم أن الحقائق الميدانية الاقتصادية والسياسية تؤكد ان العراق من أغنى دول المنطقة من دون جدال, لتنوع مصادر الدخل فيه بدءا من البترول وهو ثروة ناضبة مهما طال أمدها مرورا بالزراعة التي أهملت بشكل كارثي, وصولا للسياحة التي فقد العراق سوقها المربحة بسبب سنوات الحروب والكوارث, ومن ثم الإدارات السياسية المتعاقبة الفاشلة التي أجهزت على ما تبقى من حضارة بلاد الرافدين التي كانت فجر حضارات التاريخ في ضوء التعصب الديني والمذهبي, وتدمير الذاكرة الوطنية والتاريخية والتمسك بأهداب خرافات التاريخ وصراعاته العبثية بدلا من التشديد على العمق الحضاري و المعرفي لبلاد مابين النهرين.
العراق اليوم وبعد سلسلة حروب كارثية ومصائب داخلية وصراعات طائفية سقيمة وهجمات لصوص السلطة من أساطين الفساد العراقي الكبير يعيش حالة إفلاس معلنة وواضحة عبرت عن نفسها من خلال الاستنزاف الا قتصادي وخواء الميزانية, وتأخر الرواتب واستنجاد الحكومة التائهة التعبانة بدول العالم من أجل الحصول على السلاح بالأجل, والمطالبة بالقروض العاجلة من البنك الدولي, وهو ما يعني ضمنا أن الإقتصاد قد وضع تحت وصاية البنك الدولي المشؤومة فقد استقلاليته, وأضحى أسيرا لوصفات ذلك البنك العلاجية أسوة بدول مفلسة عديدة لا تمتلك ربع ما يمتلكه العراق من خيرات وطاقات.
الإنهيار الإقتصادي, المريع ليس سببه إنخفاض أسعار البترول في السوق الدولية, ولا حتى الصرف المبالغ به على التسليح وإدارة الحروب , وإنما حدث الإفلاس بسبب واضح للجميع, وهو سوء إدارة السلطة ونهب لصوصها من كبار مافيات الفساد الذين لم يحاسبهم أحد, فالمال السايب يعلم السرقة , وقد خسر العراق خلال سنوات حكم نوري المالكي العجفاء, وهو بالمناسبة أفشل رئيس حكومة على المستوى الدولي أكثر من 700 مليار دولار اميركي, تبخرت ولم تجد صدى لها في المشاريع القائمة الفاشلة, ولم تنعكس نتائجها أبدا على وضعية الإقتصاد العراقي أو مستوى الحياة الإقتصادية في العراق , فنهب خزينة الدولة عبر مشاريع التسلح الوهمية والمقاولات الوهمية والبذخ الزائد في الموازنات السرية للوزارات حتى تحول البلد فعلا لعراق “علي بابا و المليون حرامي”! الذين عجت بهم أروقة السلطة التعبانة والأحزاب الطائفية المريضة المفلسة التي تمثل أهل البطون التي جاعت ثم شبعت, ولم تعد تشبع من النهب واللصوصية وأكل أموال السحت الحرام.
وزير مالية العراق السيد هوشيار زيباري سعيد جدا لأن وفد البنك الدولي سيزور العراق ليتفقد أوضاعه ويساعد مهجريه (وكأن العراق دولة أفريقية مفلسة), ثم ليستغل هوشيار الفرصة ويطلب من البنك الدولي “قرضا حسنا” بقيمة 9 مليارات دولار لمواجهة أزمة تسديد رواتب موظفي الدولة, وبقية الالتزامات الأخرى! وهي مهزلة حقيقية لحكومة لصوص يمتلك وزراؤها ثروات خيالية بعد أن كانوا مفلسين ومشردين في مرحلة ماقبل عام الزلزال الكبير المدمر 2003, الذي ضاعت معه الدولة الوطنية في العراق بالكامل ولم تزل ضائعة حتى اللحظة.
العملية السياسية الكسيحة والتي هي مجرد محاصصة طائفية وفق مبدأ “منا أمير ومنكم أمير” التي لا علاقة لها بصيغة العمل الوطني المتجاوز للطوائف والعصبيات كلفت العراق الكثير ووضعته على طريق الإفلاس الشامل , فالأحزاب الطائفية القادمة من إيران, والعميلة لها قلبا وقالبا ك¯ “الدعوة” و”المجلس الأعلى” وما نشأ بعد ذلك من أحزاب عميلة تتحمل النزر الأكبر من جريمة نهب العراق وتدميره , فعناصر تلك الأحزاب والتنظيمات تحولوا لأباطرة وبارونات للمال الحرام بعد أن دخلوا نادي أصحاب المليارات, وليس الملايين وأملاكهم تملأ الأرض من دبي وحتى بانكوك, مرورا بلندن وباريس وغيرها من الأمصار في بلاد ما وراء النهر والمحيط! ولا يوجد من يحاسب أو يطبق شعار “من أين لك هذا?” الذي لو طبق فعلا لامتلأت سجون العراق بجميع الوزراء والبرلمانيين والمعممين والدجالين.
العراق يشكو من أزمة تسديد رواتب موظفي الدولة, وهو يعوم على بحر هائل من الثروات, والمالكي الذي كان حافيا يلتمس الصدقات في ريف دمشق تحول لإمبراطور ولحوت مالي رهيب, وكذلك الآخرون من باعة البصل في كوبنهاكن, أو باعة البطاقات الهاتفية في كرمويل رود اللندني الذين أضحوا رموزاً مالية واستثمارية رهيبة في زمن الغفلة وسنوات الضياع العراقية القاتلة.
التورط في ديون البنك الدولي معناه كارثة إفلاس دائمة لن تنتهي, فالبنك الدولي كريم في الإقراض, لكنه رهيب في الشروط ورهن الاقتصاد!
لصوص العراق باتوا يتطلعون إلى سرقة البنك الدولي, وتلك هي المهزلة, فهل من المعقول أن يهرول ساسة وحكام العراق صوب منح وأعطيات وقروض البنك الدولي ويتطلعون لها بلهفة رغم شروطها المجحفة وقيودها الثقيلة, وليس بهدف تنمية العراق حقيقة, بل بهدف إستمرار مسلسل النهب الشامل لبلد ما عرفت حكوماته المتعاقبة من وصفة سوى الفشل وأي فشل? الفشل اللصوصي… وكان الله في عون شعب العراق وهو يئن من أساليب علي بابا و المليون حرامي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً