ثقافة وفن

كتاب نقدي جديد حول الشعر والسياسة عند نزار قباني

نزار قباني

يدرس الباحث الأردني عمر صالح شقيرات في كتابه “الرؤية السياسية في الشعر العربي الحديث: نزار قباني نموذجا”، الصادر حديثا عن دار فضاءات في عمّان، الشعر السياسي العربي ابتداء من القرن التاسع عشر وانتهاء بشعر نزار قباني.

خصص الباحث فصلا لإرهاصات الشعر السياسي في كلّ من العراق وبلاد الشام ومصر، موردا أسباب تشكّل هذا النمط من الشعر، ثم تناول شعر المناسبات السياسية عند الإحيائيين والرومانسيين، والشعر الأيديولوجي.

أصوات مبكرة

بحث شقيرات في انحراف بعض الشعراء عن المسار الوطني. ودرس في غيره مكانة نزار قباني وبداياته السياسية، ومراحل تطوّر شعره السياسي الهجائي قبل النكسة وبعدها، وشعره في المقاومة المسلّحة، وشعر الانتفاضة الفلسطينية، وأسلوبه الهجائي المفرط ضدّ أمته.

وقد تناول في كتابه الجانب الفني للقصيدة العربية الحديثة ومراحل تطوّرها من قصيدة الشطرين إلى قصيدة التفعيلة حتى قصيدة النثر، ورأي النقاد في هذا التجديد، خاصة نزار قباني، وحلل الجانب الفني للقصيدة النزارية من ناحية الشكل الخارجي والمفردات التي استخدمها في إظهار مثالب العرب، إضافة إلى استلهامه الموروث في مختلف أشكاله (الدينية والتاريخية والأدبية والأسطورية والشعبية) موظفا إيّاها من أجل تشكيل رؤيته السياسية، إلى جانب استثمار التناصّ القرآني. كما تناول الباحث في هذا الفصل الظواهر الأسلوبية في شعره السياسي مثل (التكرار، الشرط، النفي، الاستفهام، والنداء).

تمخضت الدراسة عن بيان أنّ البدايات الأولى للشعر السياسي ظهرت في القرن التاسع عشر، حيث اتضح أنها أخذت عدة مسارات تأثرت بعدد من الأمور:

المسار الديني: حيث كانت المعتقدات الدينية محركا قويا، إذ استخدمها الشعراء لتحريك مشاعر الناس. لكن رؤى هؤلاء الشعراء لم تكن متزنة، في بعض الأحيان، فكانوا يمدحون ويهجون حسب الظروف التي كانت تدور من حولهم، وأحيانا حسب مصالحهم الخاصة، مما أدّى إلى عدم نهجهم نهجا مستقيما يوصلون فيه رؤاهم إلى الناس للتخلص من الحكم التركي، ومن بعده الاستعمار الأجنبي، وقد تمركز هذا المسار في العراق، ولا سيما في الجنوب، وظهر عدد من الشعراء (مثل عبدالمحسن الكاظمي، صالح الكوز، عبدالغني جميل، حيدر الحلّي، وغيرهم) الذين تناولوا جوانب الحياة المختلفة (السياسية والاجتماعية والاقتصادية).

الأسلوب الهجائي الذي اتبعه نزار قباني في حق أمته ينم عن سادية ومازوشية مفرطة

المسار القومي: يعتبر المحرّك الثاني لدى الشعراء، خاصة إبان أواخر الحكم العثماني الذي كان ينادي بسياسة التتريك، وكان ظهور عدد من الجمعيات العربية، التي نادت بالقومية العربية، عاملا مهما ساعد الشعراء على استغلال هذه الإيجابية فوظفوها في شعرهم السياسي والقومي لإشعال صدور العرب على الظلم التركي، ونيل الحرية. وقد تمركز هذا المسار في بلاد الشام، فظهر كلٌّ من إبراهيم اليازجي، محمد البزم، خيرالدين الزركلي، خليل مردم بك، إيليا أبو ماضي، وغيرهم، واستخدموا أغراض الشعر كالمدح والرثاء ليعبروا عن رؤاهم السياسية.

مسار انتقادي: التصدّى لمظاهر الفساد لدى الحكّام والمسؤولين دعا الشعراء لكشف حقيقتهم وتعريتهم أمام شعوبهم، وفضح تعاونهم مع المحتل، وتآمرهم على الزعماء والمناضلين.

وتناولت الدراسة أيضا قضية انحراف الشعر السياسي عن مساره، فلم يكن كلّه في مصلحة الوطن والأمة، بل كان ثمة انحراف عن المسار الوطني في سبيل أغراض شخصية أو خدمة للسلطان وأصحاب النفوذ، وأصحاب الأقلام والمثقفين الذين يعتبرهم أداة لخدمته وخدمة مصالحهم الخاصة. ويعتبر الباحث ذلك شعرا خارجا عن نطاق الرؤى السياسية، لا يحمل أيّ انتماء وطني أو قومي للأمة العربية أو الإسلامية.

مدرسة الهجاء

وتوصل الباحث، من خلال دراسة الشعر السياسي عند نزار قباني، إلى أنه ينتمي إلى مدرسة ذات طابع هجائي، تناولت القضايا العربية من الداخل أكثر منها في الخارج، وامتازت بعدد من الخصائص الشكلية، مثل استخدام الموروث، والاستعانة بألفاظ ذات دلالة غير مقبولة اجتماعيا، كما عند الشاعر مظفّر النوّاب، واستخدام أسلوب السخرية والمفارقة في غرض الهجاء السياسي. أمّا من ناحية المضمون فقد تركّز شعر أصحاب هذه المدرسة على الهجاء وحب الوطن والحنين له، خاصة عند الشاعرين أحمد مطر ومظفّر النوّاب، مع وجود رؤية تشاؤمية سوداوية متفاوتة.

دخول قباني مجال الشعر السياسي جاء متأخرا

يعزو الباحث شقيرات تأخر نزار قباني في الدخول إلى عالم الشعر السياسي إلى ظروف اجتماعية، وشخصية، فكانت بداياته الشعرية السياسية في الهجاء، حيث تناول هجاء العرب عامة والزعماء خاصة، وتبيّن أنّ نكسة يونيو هي المحرّك الأولي في تحوله من شعر الحب إلى شعر السياسة، مع وجود بعض الجذور السياسية قبل عام 1967، وكان الأسلوب الهجائي الذي اتبعه في حق أمته العربية ينمُّ عن سادية ومازوشية مفرطة، تعبر عن كره وسخط على قومه دون سبب، ومن دون ذكر حلول.

ومن ثم كانت رؤيته متخبطة تشاؤمية لا تدل على عمق سياسي، بل امتازت بالخفة وصبّ الشتائم والمزاجية والتقلب المستمر. واستخدم في أسلوبه الهجائي المقارنة بين الحاضر البائس والماضي الزاهي، فكان يغمز ويلمز بالعرب من خلال تذكيرهم بالماضي المشرق، لكن حتى هذا الماضي لم يسلم من هجائه، ويدل هذا على رؤية مضطربة غير واضحة المعالم.

جيل الهزيمة

ويرى الباحث أن نزار قباني أفاد من الأغراض الشعرية المختلفة كالمدح والرثاء لبث رؤيته السياسية بين الناس، ومع ذلك بقي محافظا على أسلوبه الهجائي في مهاجمة العرب، وقد رصد عددا من الألفاظ التي يستخدمها حاصرا إياها في ثلاثة أطر: الاستغراق في الشهوات، الاقتتال والفرقة والضعف، والسمات المكروهة عند العرب قديما. ويتبيّن الباحث من خلالها أنّ نزارا أكثر من استخدام الألفاظ التي تعيب على العرب وتقلل من شأنهم، وتكشف واقعهم المؤلم، من غير أن يقدّم حلولا ومقترحات للخروج من الوضع المتأزّم.

ويذهب شقيرات إلى أن قباني توصّل في شعره إلى رؤية تتمثل في أنّ هزيمة يونيو 1967 كانت محسومة بسبب القهر والذل والخنوع، والخرافات التي كان العرب يعيشونها قبل أن يدخلوا المعركة، ولذا هاجم كلّ ما يتعلق بجيل الهزيمة، وأراد أن تتبرأ الأجيال اللاحقة من هذا الجيل المهزوم. ونجح في تصوير المقاومة المسلحة بعد الهزيمة، إذ عدّها نهضة جديدة للعرب بعد النكسة، فافتخر بـ”فتح” و”المقاومة” و”حرب تشرين” و”المقاومة اللبنانية”، من غير أن يترك أسلوب الهجاء والشتم والتعرّض للعرب، ورأى في تشرين قيامة جديدة للعرب، فأعطى بذلك أملا في الوصول إلى التحرير وطرد العدوّ، وكان في تعبيره عن أطفال الحجارة رؤية مستقبلية مفعمة بالأم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً