اراء و أفكـار

حارسة بوابة الكذب

علي حسين*

أن تعتبر قتل المدنيين العزل عملاً بطولياً، وارتكاب المذابح أياً كان سببها عملاً وطنياً، فهذا منتهى الإصرار على تأسيس نظام يبني فاشيته على الكذب، وخرافة بناء دولة القانون.

هناك أنواع عدّة من الكذب السياسي، جميعها مضحك، أكثرها ساذج، وأسوأها هو قلب الحقائق، واعتبار ما كنت ترفضه بالأمس مقبولا، صبيحة هذا اليوم ، أما الأسوأ من الكذب، هو الإصرار على أن الجمهور مجموعة من السذّج .

في كل مرة أقرأ فيها تصريحا لأحد المقرّبين من”فخامة”نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي، أتساءل ما الفائدة التي تعود على العراقيين من تصريحات وبيانات تسعى إلى تفخيخ المشهد السياسي بأكمله حين يصرّ أصحابها على أنهم وحدهم يملكون الحقيقة؟ بالتأكيد كل الذين يشاركون في مسرحية:”اكذب اكذب حتى يصدّقك الناس” يدركون جيداً أنّ شيئاً ما سينفجر في وجوه الجميع، ليأخذ البلاد إلى فقرة جديدة في مسلسل الخراب الذي لا تنتهي حلقاته.

بالأمس خرجت علينا النائبة حنان الفتلاوي لتكتب نشيداً جديداً ومثيرا، ففي تصريح غريب وعجيب ومثير قالت السيدة النائبة:”لا يحقّ لرئيس الوزراء حيدر العبادي أن يشوّه صورة أو يدين قوات ورجالاً تصدّوا وضحّوا لأجل أهلهم وبلدهم، من خلال تصريحه الأخير الذي يقول فيه: إنه أصدر أمراً بوقف قصف المدن، وعليه أن يقدّم توضيحاً”.

وتكمل الفتلاوي تصريحها المثير بتساؤل :هل قامت القوة الجوية وطيران الجيش بقصف الأبرياء؟ ما هو دليل العبادي؟

سأصدّق أنّ النائبة تدافع عن الجيش، وسأفترض حُسن النية وهي تقول إن حيدر العبادي يريد تشويه صورة القوات الأمنية ولكن كيف لي أن أصدّق أن نوري المالكي نفسه في 4/6/2014 “وجّه من خلال حديث الأربعاء بإيقاف قصف أي هدف مدني أو أي هدف داخل التجمعات السكنية، وتوخّي الدقّة والحذر في ضرب المجاميع المسلحة، مشددا على ضرورة ألاّ يكون القصف بصورة عشوائية”.. وأريد أن أنبّه السيدة النائبة التي ربما تعاني من فقدان للذاكرة أحياناً، من أن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وفي اتصال هاتفي مع”نائب الرئيس الأميركي جو بايدن بتاريخ 19/ 6 /2014 اعترف بخروق تحدث أثناء القصف، مؤكداً للسيد بايدن أنه أصدر أوامره بإيقاف القصف العشوائي على المدنيين ، ولا أريد أن أُذكّر صاحبة الموازنة في القتل بتقارير هيومن رايتش واليونسيف وبشهادة ممثل الأمم المتحدة عما يحدث من انتهاكات أثناء القصف العشوائي على الأحياء المدنية.

تدرك النائبة حنان الفتلاوي أن زمن الصراخ قد ولّى . ولذلك لن تضيع الفرصة الأخيرة من دون فاصل هزلي جديد يُنسي الناس جميع الفصول الساخرة التي سطّرت بها سيرتها النيابية.

سيقول البعض إنه من العبث أن تتوقع من هؤلاء المصفّقين لولي النعم ، أن يؤسسوا دولتهم على الصدق، لأنهم يبنون”سلطاتهم”على تغييب الحقيقة وامتهانها واحتقار عقول الناس.. ليس مهماً أن يموت العشرات بلا ذنب.. أو تتحول مؤسساتنا الأمنية إلى حراسات خاصة لمن يمنح العطايا والامتيازات.

وأزعم أن هذا النوع من السياسة”الخادعة لا يختلف كثيراً أو قليلاً عن الفلسفة”العسكرية”التي أثمرت بفضل خبرات المالكي”الأمنية”ضياع عدد من المدن العراقية وتهجير أكثر من مليون ونصف مليون مواطن، وستثمر مستقبلاً مآسيَ أخرى، خصوصاً أنّ الحكايات المؤسسة لها واحدة، وتقوم على اختراع مُنتَج جديد اسمه”حارسة بوّابة الكذب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً