اراء و أفكـار

شبعنا من الحاضر ماذا عن المستقبل ؟

هيفاء زنكنة*

اثناء مشاركتي مع عدد من الاكاديميين العراقيين في المؤتمر العالمي الرابع لدراسات الشرق اوسط (آب / أغسطس – أنقرة)، كان السؤال الذي تم توجيهه الى المشاركين.

مرارا وتكرارا، هو ماذا عن المستقبل، عربيا وشرق أوسطيا؟ مدعاة السؤال والالحاح عليه كان مرتبطا بعاملين : الاول هو حالة الاحباط العامة التي بدأت تتسلل الى العالم الاكاديمي المغرق بهوس الموضوعات البعيدة عن الواقع مع مراعاة أقصى درجات الحذر في استشراف المستقبل . مما دفع احد اساتذة العلوم السياسية (لايحضرني اسمه) الى القول، مرة، عن طبيعة العمل في مجال العلوم السياسية، بأنهم حين ينتهون من تحليل حدث ما بشيء من الثقة، يكون الحدث قد انتهى وتجاوزهم. وهذا كما يبدو ما ادى في العقد الأخير، على الاقل، الى استضافة المؤتمرات وحلقات النقاش الاكاديمية لناشطين وكتاب من خارج الجامعات، من كافة المجالات، كمحاولة للربط ما بين التنظير الفكري والعمل الفعلي ومحاولة ايجاد الوسيط المكمل للاثنين معا.

العامل الثاني : هو مرحلة التغيرات السريعة التي يمر بها العالم العربي والشرق اوسطي، عموما، والتي تقتضي استشراف المستقبل مرورا بالحاضر اكثر من الاكتفاء بتفكيك الماضي على اهمية ذلك. لذلك طغت على المؤتمر العالمي الاوراق والبحوث المتعلقة بثورات الربيع العربي، الاحتلال، الصراع الديني الأثني، تنامي الطائفية، الحركات الاسلاموية، المقاومة الفلسطينية، وعلاقة هذه الموضوعات بالمرأة والتمييز الجنسي. وكما تحتل اخبار القاعدة وداعش والحرب على الارهاب استديوهات البث الاعلامي والصحافة المكتوبة، احتلت هذه الموضوعات قاعات المؤتمر، وبدا الاهتمام جليا في عدد الحاضرين الكبير في الحلقات والمحاضرات التي تم فيها تقديم اوراق عن «الدولة الإسلامية» او القاعدة وامتداداتهما في البلدان العربية، خاصة، في سوريا والعراق.
بالنسبة الى العراق، بدونا فيما قدمناه من اوراق بحثية، ضمن نشاطات « الرابطة الدولية للدراسات العراقية المعاصرة»، معنيين باستمرارية انعكاسات الاحتلال الانكلو امريكي، على الوضع الحالي . لم يكن للماضي البعيد مساحة. استغرقتنا اللحظة، الآن، ببعديها المكاني والانساني. قدم الاكاديميون العراقيون، القادمون من مختلف ارجاء المعمورة، أوراقا بحثية عن المنظور المجتمعي والسياسي لعالم الاجتماع الراحل علي الوردي الذي اعتبر الديمقراطية حلا وحيدا لمستقبل العراق. وتناولت ابحاث أخرى مكانة ونمطية صورة المرأة العربية في استراتيجية الحرب على الارهاب، النساء المعتقلات وتغيير مفهوم العنف الجسدي، الاغتصاب خاصة، ليشمل الذكور والأناث سوية، في « العراق الجديد»، العدالة ومحاسبة المسؤولين عن جرائم الاحتلال، مناقشة مسودة القانون الجعفري، نتائج دراسة ميدانية حول تاثير العنف على الشباب، سايكولوجية الاسلمة السياسية بالعراق، وأولوية وضع برنامج انقاذي للتعليم . على الرغم من صعوبة اللحاق بالاحداث المتسارعة التي تسبقنا فتقف امام انظارنا كحاجز مظلم او في احسن الاحوال تقف لتقدم نفسها باعتبارها المستقبل، حاول الاكاديميون، ومن خلال النقاش الدائر اثر تقديم البحوث، طرح منظورهم عن مستقبل العراق، آخذين بنظر الاعتبار حالة الفوضى الدائرة في بلد بلا دولة وبلا جيش وبلا سيادة وبلا اقتصاد انتاجي وطني. عكازا الحكومة وتحالفاتها هما الطائفية والفساد المستند الى الريع النفطي. بدونهما يصبح النظام قبض ريح. ارهاب القاعدة واخواتها يقابله ارهاب الحكومة وميليشياتها. الاستقواء بالاجنبي للحفاظ على السلطة. الشباب المهمشون والعاطلون لاخيار لهم غير الانضمام الى الميليشيات أو الى المنظمات الارهابية. 42 بالمئة من الشباب الجامعي يشعر بالاحباط من أي مستقبل مأمون، وكثيرون يفكرون بالانتحار. المخبر السري يدير دفة القضاء وللموساد حضور «مدوّن ومعترف به من قبل وزارة الداخلية العراقية»، حسب قيس العزاوي، مندوب العراق السابق بجامعة الدول العربية، في 16 – 07 – 2007.
ماذا عن اليسار، والعراق المعاصر معروف بيساريه؟ منهم من تم تغييبه صمتا ومنهم من ارتدى العمامة ومنهم من ارتدى مسوح الليبرالية بتصنيفها الماكدونالدي الجاهز. الحزب الشيوعي الذي قدم من الضحايا الكثيرين من المناضلين في حربه ضد الامبريالية عبر عقود، لهث وراء حاكم الاحتلال الامريكي للانضمام الى مجلس حكمه الطائفي . يومها قدم سكرتير الحزب الشيوعي نفسه باعتباره شيعيا ويحاول اليوم بيع نفسه كتيار ديمقراطي ليبرالي.
هذه المواقف الحرباوية لا تقتصر على اليسار فحسب فالاحزاب الاسلاموية بشقيها السني والشيعي لا تقصر، ايضا، في تغيير الوان جلدها ورطانتها. الاحزاب التقليدية خذلت الناس وحركة التظاهرات السلمية في العديد من المحافظات قمعت قصفا واعتقالا وتعذيبا.
واذا ما اضفنا الى ذلك التدخل السعودي والايراني وتهديدات الاكراد بالانفصال ودخول داعش المفاجىء بقوة، وعودة المحتل الامريكي عسكريا بدعوة من ذات الساسة الذين خدموه ايام المعارضة، وتواجد القوات الامريكية الخاصة ( يبلغ قوامها، عالميا، 67 ألف رجل وامرأة نفذوا مهمات في ما لا يقل عن 92 دولة، حسب قائدها ويليام بيل ماكريفن في 31 آب 2014)، مع حرية الحركة المتوفرة للموساد، ونهوض « ابن الشعب وقائده.. وابن الحزب وقائده.. وقائد الجهاد ورائده القائد المؤمن المجاهد المهيب الركن عزت ابراهيم الدوري»، من بين الاموات، ليشوه أي جهد يهدف الى التغيير الحقيقي، لوجدنا ان من الصعب تقديم صورة معقولة عما سيحمله المستقبل للعراق وبقية المنطقة. غير ان هذه العوامل المتعددة، بتعقيداتها، لايمكن ان تحول دون ان نقدم تصوراتنا وطموحنا عما نريده لعراقنا ولشعوب المنطقة مستقبلا. اساس تحقيق هذه الطموحات هو توفر النية الخالصة الصادقة. بدونها سيكون الطموح وحتى البرامج مجرد ثرثرة لاطائل من ورائها. توفر النية الصادقة سيذلل حالة الاستحالة ويجعل الطموح حقيقة والحلم واقعا.
فما الذي نريده لعراقنا اذن؟ انه الوضع الذي يعيش في ظله العديد من شعوب العالم. بداية ان نستعيد الدولة بمؤسساتها الموجودة لخدمة الجميع بلا تمييز عرقي او ديني او مذهبي او جنسي. ان يتم تطبيق القوانين على الجميع بلا تمييز. الغاء الميليشيات. ان يعامل المرء كمواطن يتمتع بحقوقه ويتحمل مسؤولية تنفيذ واجباته. ان يطبق النظام الديمقراطي كمضمون دائم يستند على المساواة والمجتمع المدني والشفافية والتعددية الحزبية واحترام نتائج الانتخابات وقيام البرلمان المنتخب بدوره التشريعي وخاصة مراقبة السلطة التنفيذية. النظام الديمقراطي لايقتصر على يومي الانتخابات، مرة كل اربع سنوات، ومن ثم تسويف او الغاء النتيجة بعد ذلك، كما يجري حاليا في العراق. والا ننسى احترام حقوق الانسان ووضع حد لكافة الانتهاكات. أكرر: كل هذا من الممكن تحقيقه اذا ما صدقت النية واذا ما وجدت حكومة وطنية تمثل العراقيين جميعا بعيدا عن الولاءات الخارجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً