اراء و أفكـار

ليس لي… غيري

حاتم حسن*

العواقب والتأثيرات والانقلابات النفسية للفصول المأساوية المتعاقبة على العراقي أكثر خطورة وحسماً من أبعادها المادية ومن مكابداتها المباشرة، وموجزها هذا الذي وجد العراقي نفسه فيه وقد خفتت وبردت حماسته لأمور وجوانب كثيرة.

وتراخت آصرته وتفككت علاقاته، وتشخصت حقيقة الضمور القيمي والتمزق الاجتماعي، وبدا انه لم يعد هناك من مهم خارج الذات, والذات ليس بمعناها المألوف في المرض وفي السوية، بل المعنى البارد المليء بالسأم، واللا جدوى، وهذا إن كان صحيحا فانه يسجل همود روح شعب، ومن ثم إمكانية وقوعه بقبضة المغامرين وأصحاب النزوات وحملة العقد ومرضى العصاب.. وممن يسوغون لكراهياتهم وظلامهم النفسي ويشرعنونها ويسبغون عليها القداسة.
في حالة هذا الهمود، وفي غياب المهم خارج الذات فانه لا كبير بعد في أي مجال إلا في الكلمات والمجاملات وكل ما لا يضر الذات ومنافعها، وقد بلغ السرطان مواضع إبداع المجتمع من أدباء وفنانين ومفكرين واعلام في البحث والعلم والسياسة، وساد مبدأ بأن البعيد عن العين وعن الوعد بنفع هو بعيد عن القلب, وبعيد عن الأهمية والاهتمام.. وربما جاء الوقت لتوجيه الدعوة الساخنة للاحتفاظ بالنماذج التي ما زالت تحترم الجوهر الإنساني وتجل المبدعين وتعلي من شأن الكبار، فهي في طريقها للانقراض، والاكيد ان فوضى بهذا الحجم وفسادا بهذا الشمول ومعاناة كالتي للشعب العراقي لا تكون قبل أن يعلو التراب على عقول مبدعيه وبناته، وبغير اتساع الفرصة للجهل والخرافة وعلو صوت النزوات.
انطفاء العراقي كان بسبب الأعاصير والزوابع المتواصلة من عشرات السنين، وانه انطفاء جاء من وراء ظهره، انطفأ بدون ان يدري، وبدون ان يدري تضاءل شعوره بالمواطنة وبالانتماء للمجتمع، وقلنا انه تحول من مواطن الى متساكن، وما الذي يعجز الجاهل الفاسد عن فعله في مجتمع من أفراد متباعدين ؟؟؟
هذا الرجل معتبر ومحترم بكل القياسات ولكنه انحاز، في أمر معين, الى ابنه على نحو فاقع وفاضح، وكان في ظرف آخر سيغوص في الارض حياء وحرجا، ولكنه اليوم بدا على غير اكتراث بالناس وبرأيهم، فالمهم هو، وهو الذي يقف مع نفسه، ولا احد له، غيره، وهذا موت غير مسبوق، وستتكرس لبحثه ودراسته عقول النفسيين والاجتماعين، وسيجد أطراف الشر السياسي ابسط طريقة واقلها كلفة لجعل اي مجتمع بمثابة عجينة وخبزها في اي فرن ذري.

– See more at: http://www.almustakbalpaper.net/article.php?id=3291#sthash.1v3faa7c.dpuf

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً