اراء و أفكـار

لو كانوا صادقي النية بعهد جديد

د. نافع غضب الدليمي*

لو كانوا صادقي النية بعهد جديد لو كانوا صادقي النية بعهد جديد في العراق لبدؤوه بإصدار اعتذار في برلمانهم عما أجمعوا عليه ككتل ونواب من تهميش وظلم طال من يعتبرونهم في دستورهم مكونا أساسيا، ليؤسسوا بذلك لآليات قانونية وسياسية وأمنية وغيرها تُقنع المهمشين بإمكانية إحقاق حقوقهم بعيدا عن العنف والتطرف.
لو كانوا صادقي النية بعهد جديد لما واصلوا تعمد هذا التهميش بمواصلة التعامل مع نواب وشخوص فاسدين، رغم إقرارهم علنا بأن هؤلاء لا يمثلون مناطقهم التي لا يصلونها، ومنبوذون من أهلها أصلا، لأنهم نتاج تزوير الإرادة الانتخابية لأهالي هذه المناطق باستهداف طائفي بأقذر صنوف الحرب والفيضانات والتهجير والتزوير، والقناعة لهذا بأنهم باتوا جزءا من المشكلة وليس الحل، وعالة على عمليتهم السياسية، ولأجروا التعديلات اللازمة لإعادة الانتخابات عموما أو على الأقل في هذه المناطق.
لو كانوا صادقين لما عادوا يتحدثون عن تنفيذ مطالب المناطق الثائرة التي يقرون أنها محقة مع إضافتهم الصفوية المعهودة «على ألا تتعارض مع الدستور». هذا مع إقرار الجميع بأن الدستور هو «أبو المشاكل ومليء بالألغام» وأنه بالنسبة لهم ليس إلا غطاء فضفاضا لإدارة العراق وفق معتقدهم الصفوي العنصري الاستعبادي البغيض. ثم نسوا أن تلبية الحقوق المضمونة بالدستور في الدول التي تدعي الديمقراطية تكون مقابل تظاهرة أو اعتصام بسيط في أسوء الأحوال، لا أن يتم تجاهل اعتصامات شاملة لأكثر من سنة، ثم عندما يعلنونها حربا طائفية على المعتصمين ويضطرونهم إلى الرد بثورة مسلحة يأتون ويتحدثون عن «تلبيات لا تتعارض مع الدستور» وكأنهم الأعلون، ولا يزالون في غيهم يعمهون دون إدراك لحقيقة أن الثورات لا تنطلق ولا تعود لبيوتها إلا بفرض الدستور الضامن للوجود والحقوق.
لو كانوا صادقين لتخلوا عن معادلة (1+1+1=2) في إدارة عمليتهم السياسية على أساس ضمان طرفين لمصالحهما برعاية إيران، ثم فرضها على الطرف الثالث روتينيا في البرلمان.
لو كانوا صادقين فيما يدعونه من توافق لاعتمدوا فورا في البرلمان بنية دستورية تضمن التوافق كمبدأ عمل للدولة وسياستها العامة والخارجية والمالية والعسكرية والأمنية وغيرها، بما يضمن لكل واحد مما أسموه مكونات في دستورهم حق النقض (الفيتو) في مستويات الرئاسة والحكومة ووزارتها وهيئاتها والبرلمان والمؤسسات الرسمية العامة لكل ما قد يعتبره أي مكون أنه يتعارض مع مصالحه العليا، ذلك دون تواطؤ مكونين على إقصاء الثالث وبغض النظر عن نسبة كل مكون في ضوء الإدعاءات غير المثبتة والتزوير في النسب السكانية، وعدم إمكانية إجراء إحصاء نزيه حاليا بعد سياسات الحرب والإبادة والتهجير التي تمارس باسم الدولة وبأدواتها على أساس طائفي وقومي. والحقيقة مع أن العراق سيبقى (دولة أصالة) فإن ما أرادوها «دولة مكونات» في دستورهم لا يمكن أن تُدار إلا بمبدأ التوافق وفق الآلية الآنفة الذكر التي نص عليها دستور (اتفاق ديتون)، كنتاج تجارب طويلة لإنهاء حروب البلقان القومية والدينية، ذلك برعاية ذات المحتل، ما دفع خبراء للتساؤل: لماذا هناك حلال وفي العراق حرام؟ لو كانت النية هي التهدئة ولو لعدة سنين لتجنيب العراقيين الحروب وويلاتها، ثم ليتحولوا بعدها إن أرادوا باستفتاء إلى (دولة المواطنة).
لو كانوا عموما صادقين لما سلموا الحكم لذات الحزب الذي يقرون بمسؤوليته عن أعوام الفساد والظلم والفشل، بدل اجتثاثه ومقاضاة رئيس حكومته ومستشاريه عما فاق كل ما اتهموا به حزب النظام السابق.
ولو كانوا صادقين وليسوا كذلك لتحلوا بالمسؤولية تجاه الشعب، وبالعقلانية للتفاهم مع كل القوى العراقية الفاعلة على تشكيل حكومة تكنوقراط انتقالية، مهمتُها أساسا إنهاء الحرب ضد المناطق الثائرة وسحب الجيش. وإتاحة المجال للقوى المحلية لإدارة شؤون محافظاتها، هذا مع التهيئة لنظام جديد وانتخابات طارئة، بعد أن أثبتت الأحداث زور وبطلان الانتخابات الأخيرة في تمثيل كل العراقيين بحق، وتغيير وجوه الشؤم المتسلطة بقوة الاحتلال وإيران. وآخرها ما كشفت عنه التظاهرات المؤيدة لتمديد ولاية «دولته الصفوية» التي لم تتعد بضعة مئات من الأشخاص في لحظات مصيرية له مع تشدقه ومحاججته بحصوله على 750 ألف صوت، وهي فضيحة للديمقراطية بحق، فكيف لعاقل إذن أن يركن لعملية سياسية تُدار بقرارات قوى مزورة التمثيل في البرلمان والحكومة. وأن يضمن بها حقوقه ووجوده. عليه لا ضمان مع المصابين بـ»إنكار الواقع» ودستورهم إلا بمواصلة الثورة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً