اراء و أفكـار

موسم طيران الفيلة

عصام فاهم العامري*

في كل موسم انتخابي تتبعه مناسبة تشكيل الحكومة؛ يمني العراقيون انفسهم بامنيات بان العراق سيزدهر ويتقدم ويتوحد وتلغى فيه الطائفية والعرقية والعشائرية ويسود منطق المواطن ومعها الكفاءة والنزاهة.

وبالطبع يعمد المسؤولون في الكتل السياسية الى تغذية هذه المشاعر واطلاق التصريحات التي تعطي الدفق للوطنية والمواطنة ورفض الميليشيات والطوائف وحكم القانون والنزاهة والكفاءة. ولا اذيع سرا اذا ما قلت ان كثيرا من الشخوص التي رشحت لتولي المناصب الوزارية سابقا كنا نسمع في مجالسهم الخاصة قبل تويزرهم الكلام المعسول عن تطهير وزاراتهم من الفساد وضرورة عدم تبديد المال وتقليص النفقات، بل كانت هذه الشخصيات تطلب منا نحن المستمعين لتعهداتهم وبرامجهم المقبلة، ان ننبهم عن أي تجاوز للقانون وأية مفسدة او سرقة او رشوة تحدث أثناء توليهم المسؤولية عن طريق الهاتف وبشكل مباشر وشخصي لاعلامهم بها، وما ان يصبحوا وزراء ويتلقون التهاني حتى يغيروا هواتفهم، ويمتنعوا عن الرد على معارفهم السابقين الذين تعهدوا وطيروا الفيلة أمامهم، ليستمر مسلسل الفساد والنهب وتبديد المال العام والمحسوبية والرشوة والطائفية والانقسام.

ومثل المواسم السابقة، وفي ظل الاجواء الاحتفالية التي سادت بعد انتهاء حكم المالكي وتسمية الدكتور حيدر العبادي لرئاسة الوزراء، ابتدأ موسم طيران الفيلة. بالطبع أول من يبدأ الموسم عادة مواطون عاديون يحولون أمانيهم الى قرارات وتوصيات، وان بعض السياسيين يروجون بتصريحاتهم للقرارات التي هي أصلا ليست سوى أمانٍ وأفكار ويضفون عليها الرتوش، حتى تصبح “حقيقة” يجري الحديث عنها في كل مكان وتروج وتهلل لها وسائل الاعلام. وما ان تمضي الايام والشهور ويتأكد الجميع ان التغيير لا يحدث حتى يسود الاحباط والتذمر وعدم الثقة.
يقيني ان المرحلة القادمة ستشهد تغييرات، وان التشكيلة الوزارية القادمة ستكون افضل اداء ونزاهة، لاسباب بعضها يتعلق بكياسة العبادي نفسه ومهنيته ومهاراته، وبعضها متعلق بالازمة التي وصلت ذروتها وأضحت تهدد الوجود العراقي وبالتالي حتمية حلها. ولكن في نفس الوقت علينا ان ندرك ان التركة ثقيلة وبالتالي هناك تدرج ومستويات ووقت واولويات لكل ذلك. وبالتالي من غير الصحيح ان نتوقع اشياء على نحو ثوري وكأن رئيس الوزراء يملك كل المفاتيح. وعلى سبيل المثال لا الحصر عبر العبادي عن رغبته في تقليص عدد الوزارات والغاء بعضها وتحويل وظائفها الى المحافظات التي سيجري تفعيل قانونها التي منحها صلاحيات ولا مركزية كبيرة تغولت عليها حكومة المالكي. فإذا بوسائل اعلام تحول هذه الرغبة الى قرار وتقول: “قرر رئيس الوزراء العراقي المكلف حيدر العبادي، تقليص الوزارات الى 15 وزارة فقط؛ فضلا عن تقليل رواتب البرلمانيين. وان رئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي سوف يقلب الطاولة على الجميع وان وكلاء الوزارات سيكونون تكنوقراط وﻻ يتم ترشيحهم من الكتل؛ فضلا عن ترشيح نائب واحد للعبادي”. ومثل هذا التناول الاعلامي ربما يكون مرضيا ومفرحا الآن ولكن مضاره خطيرة وأساسه فقدان الثقة بالمسؤول حتى إن أدى دوره، باعتباره وعدَ ولم يفِ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً