اخبار العراق

الشيخ عبد الملك السعدي لـ «الشرق الأوسط»: لا أعترف بشرعية الانتخابات المقبلة.. ولا أحث على انتخاب أحد

14161854_abdulamalik alsaadi
بدا ظهور الشيخ عبد الملك السعدي، بأفكاره المعتدلة، في ساحات الاعتصام بالرمادي، قبل أقل من عام، مفاجئا، رغم أنه كان يفتي ضد الاحتلال الأميركي وكانت له مواقف ضد النظام السابق في العراق.
السبب كما يقول هو ان «الإعلام لم يهتم بما أقول أو أكتب إلا بعد ذهابي إلى الرمادي ولقائي المعتصمين، فسلط الأنظار والأضواء علي فصار يهتم بما أقول؛ مما ولد في أذهان الناس أني كنت ساكتا غائبا بعيدا ولم أتكلم إلا بعد انطلاق الحراك، وهذا خلاف واقعي».
العرب السنة في العراق عدوه مرجعا لهم، وإن كان لا يقبل بهذا التوصيف، والسياسيون، السنة، لم يجدوا عنده ضالتهم لأنه لم يؤيدهم، بل ذهب لأكثر من هذا عندما أصدر بيانا بين فيه موقفه المعارض للانتخابات المقبلة.

الشيخ السعدي، الذي لا يتحدث كثيرا للإعلام، تحدث لـ«الشرق الأوسط». وحسب نجله الدكتور براء السعدي، فإن «الشرق الأوسط» كانت «أول صحيفة يستقبلها في منزله بعمان ويتحدث لها مباشرة»، مجيبا بصبر وبصراحة ورؤية العالم الديني على اسئلة عن قضايا مهمة تخص العراق والعراقيين، مؤكدا: «لست سياسيا، وكل ما قمت به أو قلته من بدء الاعتصام إلى اليوم لا علاقة له بالسياسة، بل أمور شرعية؛ من تحصيل حقوق المسلمين ورفع الظلم عنهم وحماية دينهم وأعراضهم وأنفسهم وأموالهم». وفيما يلي نص الحوار

* هل تعتقدون بأن الأوضاع في العراق تنذر بحرب طائفية؟ أو أن الحرب قد حصلت بالفعل؟

– الطائفية قائمة من قبل الحكومة الحالية، وقد تجسدت الطائفية فيها بالفعل لا بالقول، وإن كان هناك من أبناء السنة من يقول: «نحن سنة»، فهذا مجرد قول دون فعل، إلا أن هناك من السياسيين في الحكومة الحالية من أصلها بالفعل من خلال: المداهمات، والاعتقالات، وإرهاب العائلات، والقتل، والتهجير، إضافة إلى إخراج الكفاءات من الجامعات أو تصفيتهم، وتصفية الرموز الوطنية، فهذه كلها أفعال طائفية. ونحن لا ننكر أن المجتمع العراقي خليط، وأنا أمثله بواحة فيها أزهار متنوعة، ففيه المسلم وغير المسلم، والشيعي والسني، وفيه العربي والكردي والتركماني، لكننا لم نر أثرا لهذه التسميات قبل الاحتلال؛ لوجود صلات قوية بين مكونات الشعب العراقي، إلا أن الاحتلال نمى وغذى هذه الفوارق؛ عملا بمبدأ (فرق تسد)، فقسم المجتمع العراقي إلى أكراد وعرب، والعرب إلى نوعين: سنة وشيعة، وكان المفروض بالحكومة القائمة – إذا كانت تقول إنها مستقلة ولا تعمل بما يوحى إليها من الخارج – أن تعمل على أن يبقى العراقيون تربطهم لحمة واحدة، وأن تحافظ على الوحدة الوطنية كما كانت قبل الاحتلال. إلا أنها نمت هذا التقسيم والتفريق والطائفية. نعم، قد يكون هناك بعض السنة الذين دخلوا العملية السياسية، وهم قلة، لكن لم يغيروا أي شيء في العملية.

أما الحرب الطائفية، فهي لم تحدث حتى الآن، والحمد لله، نعم هناك اعتداء يحصل من قبل ميليشيات تتمذهب بالمذهب الشيعي على مكون معين، وهذا لا يسمى الحرب الطائفية كونه يحدث من جانب واحد، حتى في عام 2005 لم تكن هناك حرب طائفية، بل كانت هناك فرصة لقتل السنة من قبل هذه الميليشيات، وقد يكون هناك انتقام شخصي، وجرى استغلال هذه الفرصة. لذلك، فإن دعمت الحكومة ميليشيات معينة أو سكتت عن ممارساتها فهذا يعني أن الحكومة مشاركة وتريد إشعال حرب طائفية وليس الشعب. الشعب العراقي، بشيعته وسنته، لا يريد هذه الحرب الطائفية إطلاقا.

* هل تعنون أن الشعب العراقي ليس طائفيا؟

– نعم، الشعب العراقي ليس طائفيا وإنما الحكومة ممارساتها طائفية؛ إذ قبل الاحتلال لم نكن نذكر على المنبر أسماء مثل شيعي أو سني، حتى في الردود الفقهية والعلمية لم نكن نذكر هذه التوصيفات، لكن بعد مجيء الحاكم الاميركي بول بريمر الذي قسم الشعب العراقي، صارت الحكومة تستغل هذا التقسيم وتنميه، لا سيما أن إيران تشجع على ذلك بصورة مباشرة – إن لم نقل إنها تتدخل بالفعل في الشأن العراقي، والواقع أنها تتدخل بالفعل في كل شيء بالعراق.

* هل تعتقدون بأن الحكومة العراقية هي حكومة المذهب الواحد؟

– أغلبية الحكومة طائفية، فكما تعرفون أن في الحكومة من هو كردي وعلماني وسني، لكن الأغلبية فيها طائفية. وهي حكومة مذهب واحد، ولكن قد يكون هناك عدم اتفاق بينهم في الرأي، وقد يكون قسم منهم غير راض عن ممارسات الحكومة، لكنه يسكت خوفا. ما دامت إيران تدعم الحكومة على هذا، فهناك خوف منها.

* ما رأيكم في التمثيل السني في الحكومة؟

– في رأيي، إن هذا التمثيل فيه ضرران: الأول: هو أن الرأي العام الدولي وغير الدولي سيقران بأن الحكومة حكومة شراكة، وهذا أمر غير فعلي، بل هي حكومة طائفة واحدة فعلا، والثاني: إن هذه المشاركة أعطت مشروعية للحكومة، وأنا في رأيي أنه إما أن يعود التوازن في كل مؤسسات الدولة والجيش والقوات الأمنية، وإما أن ينسحبوا جميعا من المشاركة في هذه الحكومة لإسقاط شرعيتها أمام الرأي العام الدولي.

* أصدرتم بيانا يحث على عدم المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، فهل هذا لصالح العملية السياسية؟

– لم يصرح البيان بعدم الحث، بل قلت: أنا غير معترف بشرعيتها ولا أؤمن بوضعها الحالي كحل، وأنا شخصيا لا أنتخب ولا أدعم ولا أبارك قائمة أو فردا ولا أحث على انتخاب أحد ولا أحث على عدم انتخابه.. نحن جربنا المشاركة في دورتين انتخابيتين ولم يفعلوا أي شيء للبلد وللشعب، لا الشيعة ولا السنة قدموا أي شيء لشعبهم، ثم إن الانتخابات تجري على أساس المحاصصة، وعلى أساس التزوير في الأصوات والنتائج، ثم إن تقسيم البلد إلى طوائف وقوميات ووضع النسب لها وتمثيلها لا صحة له في الواقع على الإطلاق، فمسألة أن نسبة العرب السنة 20% كذبة كبيرة وضعها المحتل وأعوانه، ويكذبها الواقع. دعنا نحسبها هكذا بعيدا عن الكومبيوتر (حساب عرب) وحسب المحافظات، ففي نينوى، وفي أقل التقديرات، هناك 3 ملايين سني، وفي الأنبار مليونان، وفي صلاح الدين مليون، وفي ديالى مليون، وفي حزام بغداد 3 ملايين، وفي الجنوب، ومن ضمنه البصرة والزبير، هناك على الأقل 3 ملايين سني، يعني 13 مليونا سنيا عربيا، باستثناء محافظة كركوك المتنازع عليها، فهل هذا يعني أن تمثيل هؤلاء هو 20%؟! لهذا، نحن ندعو لأن تقوم جهات محايدة غير عراقية ومنصفة وعادلة وتحت رقابة شعبية من كل أطياف الشعب بإجراء إحصاء سكاني لمعرفة نسب كل مكون ديني ومذهبي وقومي، هذا إن لم يقرروا إلغاء هذه الأسماء وهذا التقسيم والاكتفاء بكلمة عراقي فقط، وهذا ما نريده.

ولهذا لا نشجع على المشاركة في الانتخابات؛ بسبب عدم اعترافنا بهذه النسبة وعدم ثقتنا بنزاهة التصويت واحتساب النتائج، كما لا نثق بأن المشارك سيتمكن من التغيير، ولا نثق بالمشاركين في العملية السياسية أنفسهم وقد جربناهم، بعد أن قلنا هذا وطني ويمكن أن يقدم شيئا للعراقيين، لكنه بعد فوزه يظهر على حقيقته أو يتغير، وذلك بالبحث عن مصالحه الشخصية فقط أو الحزبية. لهذا، قلت: لا أحد يفاتحني بشأن الانتخابات، ولن أجيب عن أي سؤال أو أي زائر حول مشاركته في هذه القائمة أو تلك، أو من ينْتخب. في المستقبل، نعم إذا جاء من يخدم الشعب، ولا نرى بعد ذلك من العراقيين في كربلاء والنجف أو البصرة أو أي محافظة أخرى من يجمع الخبز من الزبالة، وينتهي القتل والاعتقالات فعند ذلك نقول: الحمد لله، ثم ننصح بانتخاب هؤلاء مستقبلا.

* لكن، هناك بعض أعضاء البرلمان من العرب السنة يقولون: إن لم نشارك في الانتخابات، فسوف نترك الساحة للآخر؟.

– قد قالوا مثل ذلك في مشاركتهم في مجلس الحكم وعبر الدورتين السابقتين ولم يقدموا أي شيء للشعب العراقي، ولم يؤثروا أي شيء مع الكتل الطائفية الأخرى، فكلامهم هذا مجرد تبرير، فالساحة متروكة لهم شاركنا أم لم نشارك، وعدم المشاركة هي الحل؛ لأنها ستسلبهم الشرعية والقوة السياسية، ما لم يسيطر الوطنيون المخلصون، المتوافرة فيهم الشروط التي ذكرناها، على الأغلبية العظمى من المقاعد أصواتا وتحالفا، وهذا ما أراه مستحيلا في ظل وجود السيطرة في الحكم بيد الأغلبية الطائفية وفي ظل المخططات والأيدي الخارجية الداعمة لها.

* هل تعتقدون بأنه يجب أن تكون للعرب السنة مرجعية؟

– نتحدث عن المرجعية الفقهية.. أقول: إن إخواننا الشيعة ليست لديهم مرجعية موحدة فعليا، قد يكون السيد علي السيستاني هو المرجع، لكن ليس كل الشيعة يتبعونه، بل هناك مرجعيات أخرى. أما بالنسبة لنا، فنحن نعد كل عالم دين متصف بصفة العالم الحقيقي المتوافرة فيه شروط الإفتاء موجها ومرشدا، سواء كان في المسجد أم في المدرسة، ونحن لا نسميه مرجعا ولا نصفه بالمرجعية كمصطلح، وإنما نقول إن كل عالم يفتي ويرشد ويوجه، سواء في بلده أو قريته أو مسجده.

* بما في ذلك تقديم النصائح للسياسيين؟

– نعم.. المفروض على أهل العلم تقديم النصيحة للسياسيين وألا يكونوا سياسيين، وألا ينجروا أو يغتروا بكل كلامهم.

* هذا بالنسبة للمرجعية الفقهية، فهل تؤيد قيام مرجعية سياسية للعرب السنة؟

– ومتى كانت هناك مرجعية سياسية؟ السياسيون تسود بينهم الخلافات والتناحر، وليس منهم من يعترف أو يرضى بالآخر كمرجع سياسي، حتى أبناء السنة الذين دخلوا مجلس النواب؛ هل هم متفقون على شخص واحد أو رأي واحد؟ لا.. ونحن نقول للسنة ولجميع العراقيين الوطنيين، إن عليهم أن يوحدوا كلمتهم ورأيهم ما داموا متفقين في الخطوط العريضة في الإسلام ولا اختلاف عليها، أما الاختلاف في الخطوط الفرعية، فهذه عليها اختلاف حصل بعد خلافة الراشدين، هذا يجهر بالبسملة وذاك لا يجهر، وهذا يقنت وذاك لا، هذه الأمور ليست مهمة ما دمنا متفقين على الأمور الرئيسة في الدين الحنيف.

* هل يرجع لكم السياسيون من العرب السنة طالبين النصح أو يسألونكم في بعض القضايا التي تهم البلد والشعب، سواء سابقا أم حاليا؟

– لا أحد منهم يرجع إلينا في هذه القضايا، فهم لا يأتون ليسألوا: هل نشارك في الانتخابات أو لا؟ أو هل أدخل هذه القائمة أو تلك أو لا؟ أو هل أعمل كذا أو لا؟ لا يسألونني في هذه الأمور، بل يأتون ومعهم قائمة ويطلبون منا مباركتها، أو يأتون ليعرضوا علي ما قاموا به وما فعلوه وما سيفعلونه ليكسبوا تأييدي.

* هل سبق أن باركتم قائمة أو أشخاصا معينين؟

– لم نبارك قائمة أو أشخاصا في الانتخابات السابقة، إلا أننا أيدنا هذا الشخص أو ذاك على أساس تدينه وتمسكه بتعاليم الدين الحنيف وأنه ذو خلق عال ومنصف وعادل، وقلنا إنه يمكن أن يقدم خدمة للبلد وللناس، وهذا التأييد لم يكن علنيا بل شخصيا.. لكنني اليوم غسلت يدي من الجميع.

* اليوم لا تبارك أو تؤيد أي سياسي؟

– أبدا.. لا أؤيد فردا أو قائمة أو أي سياسي.

* هل جرى استغلال اسمكم سياسيا أو انتخابيا؟

– وما أكثر الكذابين!! نعم، استغل، لهذا قلت: أي خبر أو بيان لا ينقله ابني (براء عبد الملك) أو يجري ترويجه عبر موقعنا (على شبكة الإنترنت)، أو عن طريق أشقائي، فلا يؤخذ به وهو كذب ولا أتحمل مسؤوليته.

* وكيف تعرفنا بنفسك؟

– أنا شخص علمه الله تعالى بعض العلوم، فقمت بتدريس طلابي النحو والصرف والبلاغة والمنطق والفقه وأصوله حسب المصادر القديمة الصعبة، وأقوم بذلك غالبا في المسجد، هنا، في أيام الأسبوع ولمن يحضر من طالبي العلم، باستثناء يومين، اذ ادرس طلبة الدكتوراه في جامعة العلوم الإسلامية بعمان، وأنا أدرس منذ 1958م، ودرست في مدارس المساجد وقتا طويلا، وفي كلية الإمام الأعظم وبجامعة بغداد وكلية المعارف وجامعة الأنبار، وهنا في الأردن أدرس منذ 13 عاما، فدرست في جامعة مؤتة وفي جامعة العلوم الإسلامية العالمية، وعندي أكثر من عشرين ألف طالب تتلمذوا عندي، وأنا أتعامل معهم كأبناء لي، اذ تبقى صلاتنا متواصلة ويعدونني مثل الأب الموجه لهم وهم يرجعون إلي باستمرار يسألوني ويستشيروني، مع أن قسما كبيرا منهم اليوم بدرجات الدكتوراه وأساتذة في الجامعات، فإذا عدني هؤلاء أو قالوا لي: أنت مرجعنا، فماذا أقول لهم؟ هل أغلق الباب بوجوههم؟

* ماذا كان هدفكم من وراء ذهابكم إلى الأنبار ولقائكم المعتصمين في الرمادي وإلقاء خطاب بهم؟

– الحقيقة، أنا ذهبت إلى ساحة الاعتصام في الرمادي لان الاعتصام بدأ هناك، ثم انطلق من هناك إلى الفلوجة ثم سامراء والموصل وديالى وصلاح الدين والحويجة وفي كركوك، ونحن خشينا أن تتحول هذه الاعتصامات من سلمية إلى أمر آخر فندخل في فتنة لا مخرج منها ويقع ضحيتها الناس الأبرياء فنتحمل نحن المسؤولية، هذا أمر، والأمر الآخر والأهم هو أننا كنا نأمل أن يغير هذا الاعتصام والتظاهر الوضع العراقي إلى الأحسن وينقذ العراقيين المظلومين ويلجئ السياسيين إلى التغيير لصالح الشعب من خلال المطالب المشروعة أو يلجئهم إلى ترك الحكم لغيرهم من الوطنيين، فقررنا الذهاب إلى الرمادي لتأييدهم وتشجيعهم في مطالبهم والشد على أيديهم، ومن هناك وجهت نصيحة للحكومة العراقية وقلت: يفترض أن مطالب المعتصمين منفذة أصلا إن كانت الحكومة تدعي الوطنية وأنها جاءت لمصلحة البلد، وإلى الآن هناك فرصة أمام الحكومة للتنفيذ. وقلت: هذه الجموع الحاشدة كانت ستخرج في مظاهرات تأييد للحكومة لو جرى تنفيذ المطالب جميعها فعليا، وخاطبناها حينها بخطاب إسلامي وطني معتدل غير هجومي طمعا في التأثير فيها للاستجابة، لكن الحكومة سدت آذانها، وأغمضت عينيها عن المطالب، بل قامت بمضايقة المتظاهرين وبقتلهم. وهذه المطالب لا تخص السنة فقط، بل لكل العراقيين، فهناك من الشيعة من هو مظلوم أيضا ومعتقل. والغريب، إننا كلما قدمنا نصيحة للحكومة نشهد ظهور ميليشيات مسلحة تستعرض علنا في شوارع بغداد وغيرها. وعندما اقترح البعض في ساحة الاعتصام بالرمادي تشكيل جيش لحماية المعتصمين قامت الدنيا ولم تقعد، بعدها مباشرة شاهدنا استعراضا لميليشيا ما يسمى جيش البطاط في شوارع بغداد وبعدها لميليشيا ما يمسى «عصائب أهل الحق»، فالجيش مسموح له لجهة دون أخرى.

* لماذا لم نسمع لكم موقفا أو رأيا قبل بدء الاعتصامات ولم يكن لكم ظهور قوي؟

– الذي يعرفني جيدا وقريب مني يعرف مواقفي تماما قبل الاحتلال وبعده، ويعرف مواقفي قبل الاعتصامات وبعدها، فكنت أبين رأيي وأحدد موقفي في كثير من الحالات والأحداث، وذلك إما مثبت على الورق وإما محفوظ في أذهان الكثير ممن له علم بذلك، إذ كانت لي مواقف ضد كثير من الأمور في زمن النظام السابق، وقبل الاحتلال كنت أول من أفتى، وأنا خارج العراق ومجموعة من العلماء في فتوى موحدة معهم، بتحريم دخول قوات عسكرية إلى العراق وعدها قوات محتلة ويجب منعها والجهاد ضدها، وكنت غير راض عن الدستور والعملية السياسية التي خلفها المحتل، وحرمت وأدنت ما يجري من قتل وتهجير للعراقيين الآمنين الأبرياء وحرمت وأدنت ما يجري من فساد مالي وإداري وأخلاقي ومن انعدام للخدمات. ولكن الذي حصل أن رأيي وموقفي وصوتي لا يصل إلى الجميع بسبب بعد الإعلام عني آنذاك، والإعلام لم يهتم بما أقول أو أكتب إلا بعد ذهابي إلى الرمادي ولقائي المعتصمين، فسلط الأنظار والأضواء علي فصار يهتم بما أقول؛ مما ولد في أذهان الناس أني كنت ساكتا غائبا بعيدا ولم أتكلم إلا بعد انطلاق الحراك وهذا خلاف واقعي، وما لبث الإعلام حتى ابتعد عني مرة أخرى من شهر رمضان الماضي وإلى اليوم إلا في بعض الأمور القليلة حسب ما تقتضيه مصلحة هذه القناة أو تلك، ولا أعرف ما وراء ذلك، فلم يبق بين يدي لإيصال صوتي للناس إلا موقعنا الإلكتروني (على شبكة الإنترنت).

* هل كنتم تشاركون الحراك الرأي في بياناته وقراراته قبل اتخاذها، وهل كان الحراك يشرككم في ذلك؟

– لا.. لم يطلب الحراك رأيي في قراراته أو خطواته ولا علم لي بها قبل اتخاذها، وكنت أعلم بها من خلال الإعلام، وكنت أخالفهم الرأي في بعضها، وهناك حقائق سلبية حصلت نتستر عليها حفاظا على وحدة الصف والكلمة وتركيزا على الهدف المنشود، ولكن قد تنكشف تلك الحقائق مستقبلا -إن اقتضت المصلحة.

* باعتقادكم، إلى متى ستستمر الاعتصامات في الرمادي وغيرها؟

– ستستمر حتى يجري تنفيذ مطالبهم المشروعة. وإذا أرادت الحكومة إنهاء الاعتصام فعليها الاستجابة لمطالبهم، وهي مطالب واضحة، وتتلخص في: إطلاق سراح النساء وبالذات اللاتي اعتقلن كرهائن بدلا عن الرجال، وإيقاف المداهمات للبيوت، وإنهاء الاعتقالات لمكون معين دون آخر (المكون السني)، وإلغاء قانون الإرهاب الذي استغل ضد مكون واحد، وتحقيق التوازن بالتساوي بين مكونات الشعب في جميع الأمور ومفاصل الدولة المفقود الآن، وإطلاق سراح المعتقلين الذين لم يجر التحقيق معهم أو محاكمتهم؛ لأن المحاكم تبرئ بعض المعتقلين لعدم ثبوت التهم عليهم، لكن الأجهزة الأمنية تبقيهم كي تبتز عوائلهم ماليا، وللأسف نسمع من رئيس الوزراء، أنهم أطلقوا سراح ستة آلاف معتقل! أين هؤلاء الذين أطلق سراحهم؟!! لو كان ذلك صحيحا لشاهدنا ستة آلاف عرس في بيوت العراقيين. عندما كانت قوات الاحتلال الأميركي سابقا تطلق سراح المعتقلين يجري تصويرهم وهم ينزلون من الحافلات وكيف تستقبلهم عوائلهم (المعتقلين)، ولماذا لا يجري تصوير المطلق سراحهم اليوم؟ أو لماذا لم يظهر على شاشة التلفزيون معتقلون جرى إطلاق سراحهم؟ أنا سألت في الرمادي والفلوجة والموصل وغيرها عما إذا كان هناك أي معتقلين أطلق سراحهم فيكون الجواب: لا أحد أطلق سراحه، بل اعتقل غيرهم بالمئات، ووكيل وزارة الداخلية (عدنان الأسدي) يقول: أتحدى وجود اسم امرأة واحدة معتقلة بسبب زوجها أو شقيقها أو ابنها، فقدم بعض المسؤولين 90 اسما لنساء معتقلات. المشكلة، هي أنهم يتحدثون في وسائل الإعلام، والواقع عدم صحة ما ادعوه. إذن، فض الاعتصامات بيد رئيس الحكومة وبيد كتلة «دولة القانون» التي لا تريد التصويت على العفو العام وإلغاء المادة 4 إرهاب التي تطبق على مكون دون مكون آخر، والمخبر السري الذي يؤخذ بكلامه كأنه وحي.

* هل جرت بينكم وبين المالكي مراسلات مباشرة أو تبادل حوارات عبر أشخاص حول الأوضاع في العراق أو في الأنبار؟

– لا أبدا.. لا قديما ولا حديثا؛ ما دام المسؤولون يحرفون كلامي أو يستغلونه لأغراض في أنفسهم، فلن أتحاور معهم ومع أي سياسي يغير في كلامي، وأنا لا ألتقي اليوم السياسيين، لأنهم يدعون بعد اللقاء أني باركت لهم خطواتهم وأيدتهم، وهذا لم يحصل. ومثل هذا حدث مثلا في موضوع إعلان الأقاليم، جاؤوني وتحدثوا معي حول هذا الموضوع فقلت لهم ببساطة – بعد نقاش طويل – إن محافظة صلاح الدين تقدمت للحكومة لإعلان المحافظة كإقليم، فدعونا ننتظر ونر ما النتائج، فخرجوا من عندي يقولون إنه موافق على إعلان الأقاليم، مع أن هذا لم يحدث.

* كيف تنظر لموضوع الأقاليم، أو تشكيل إقليم سني مثلا؟

– أنا أعد تشكيل الأقاليم بمثابة إلغاء للعراق؛ لأنه عندما جاء الخميني للسلطة في إيران نادى بتصدير الثورة وابتدأ بالعراق، وبني صدر وقتذاك قال: حدودنا تنتهي ببغداد لوجود طاق كسرى، فإذا صار إقليم سني، فهذا مبرر قوي لتشكيل إقليم شيعي، وهذا يعني تقوية إيران للتهيئة مستقبلا لالتهام الإقليم السني الذي لا داعم له كما التهم العراق عام 2003 رغم قوته، وإيران لن تقف عند بغداد، بل تريد اجتياح الوطن العربي. فالعراق سيكون ثلاثة أقاليم: الإقليم الكردي القائم، وإقليم سني، وآخر شيعي، وهذا مخاطره واضحة، ويعني تفتيت العراق، وإسرائيل يهمها تفتيت الدول الإسلامية كي لا تكون لهم كلمة موحدة، كما أن تقسيم العراق هو مشروع أميركي – إسرائيلي، فهما من وضعتاه في الدستور.

والجدير بالذكر أني عندما حرمت الإقليم لم أحرم أصل مشروعيته، فلم أحرمه لذاته، بل لغيره وهو إعلانه في العراق الآن وفق هذا الدستور والعملية السياسية الحالية، وهذا ما هو واضح في فتواي في الأقاليم التي هي مجرد اجتهاد شخصي مني وغير ملْزمة، فلو وجد دستور قوي يعطي الإقليم قوته لقلت بالأقاليم. والجدير بالذكر أيضا أن بعض المطالبين بالأقاليم من سياسيين وغيرهم من المغرضين عندما علموا أنه من المستحيل إقامة الأقاليم الآن قانونيا وبسبب وجود هذه الحكومة لم يخبروا الناس بذلك، بل إنما استغلوا هذا الأمر وأخبروهم بأن سبب عدم قيام الأقاليم هو فتوى عبد الملك السعدي للإيقاع بي بين الناس، وهذا لا يهمني، بل الذي يهمني هو إرضاء الله.

* بعض قادة السنة يقولون إن السنة العرب لا أب لهم وهم كالأيتام في العراق؟

– من الأب؟ هو من يرعاهم، ويفترض بمن يترأس الحكومة أن يكون أبا للجميع، للكردي والتركماني والعربي والشيعي والسني واليزيدي والمسيحي والصابئي، ولا يجوز أن ينحاز إلى قومية دون أخرى ولا إلى دين دون آخر ولا إلى طائفة دون أخرى، وعلى هذا الأساس فإن العراقيين كلهم اليوم بلا أب وكلهم أيتام باستثناء المجموعة المحيطة برئيس الوزراء مع أن قسما منهم غير راض عن الأوضاع، فلا نستطيع أن نقول إن المالكي يمارس أبوته على الصدريين ولا على المجلس الأعلى، والأب الكبير لهم هو إيران التي تريدهم أن يكونوا تحت مظلتها.

* يتحدثون في ساحات الاعتصامات وفي الإعلام عن محاولات لإبادة العرب السنة في العراق..هل تعتقدون ذلك؟

– هذا ما يجري اليوم.. وهو ليس محاولات، وإنما، بالفعل، هذا الأمر قائم الآن، في كل مناطق بغداد وخاصة السيدية والعامرية والمشاهدة والتاجي وحزام بغداد، وفي ديالى وفي المسيب والإسكندرية وغيرها، فهناك عمليات تهجير وقتل، ووصل بهم الأمر إلى أن يأمروا العائلات السنية في هذه المناطق بترك بيوتهم بواسطة مكبرات الصوت ويهددوهم بالقول: «اخرجوا من هنا أو نقتلكم»، أليست هذه عمليات إبادة؟! على الحكومة أن تتصرف بعيدا عن المذهبية والطائفية، وعلى رئيس الوزراء – وفي آخر شهور حكمه – أن يبادر إلى إجراءات حسن نية في إطلاق سراح المعتقلين وإيقاف المداهمات وإيقاف العمليات التي تنفذها قوات سوات (التدخل السريع) والميليشيات.

* الحكومة في العراق تحكم باسم الإسلام، وهناك أحزاب إسلامية شيعية وسنية مشاركة في هذه الحكومة، حسب رأيكم كيف يمكن أن يتطابق ذلك مع ما يحدث من قتل وفساد في العراق؟

– أنا قلت لهم أكثر من مرة: يجب أن تحذف كلمة إسلامي من الأحزاب السياسية. أما وجود حزب كذا الإسلامي فيجب أن يكون إسلاميا حقا بتطبيقاته وبحقيقته، أو أن يحذف وصف الإسلامي. الدين الإسلامي هو سياسة، والنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) حكم الدولة بالإسلام، والخلفاء الراشدون حكموا الدولة الإسلامية بمبادئ الدين، وسيدنا علي بن أبي طالب كان فقيها وينقل الحديث عن الرسول، وبليغا، وحكم الدولة بمبادئ الإسلام. أما ما يجري اليوم في السياسة باسم الإسلام فهذه تعاسة وخساسة وليست سياسة. إذن، إما أن تحترم كلمة إسلامي في وصف الأحزاب السياسية من قبل الأحزاب أنفسهم وإما تحذف، وليس هناك فرق بين سني وشيعي، فهناك أمور في الدين نتفق عليها كلنا، فنهب المال العام حرام عند السنة والشيعة بل تحرمه كل الأديان، وقتل الأبرياء حرام عند الكل، والاعتداء على الأعراض حرام عند الكل، واغتصاب المنازل حرام عند الكل، إلا عند أصحاب العقائد المنحرفة.

* باعتقادكم، ما حجم التدخل الإيراني في العراق؟

– الواقع يتحدث عن هذا الحجم، فالعراق يحكم بتعليمات من قائد جيش القدس ومن السفير الإيراني في بغداد، وهذا بالنسبة لإيران أفضل من الاحتلال العسكري المباشر بكثير.

* إيران تتدخل من باب علاقتها بالشيعة في العراق؟

– شيعة العراق, العرب الأصلاء , لا يرضون بالتدخل الإيراني أبدا، والقبائل العربية في الجنوب ترفض التدخل الإيراني كما ترفض هذه الحكومة الحالية في العراق.

* كيف تنظر للأوضاع في سوريا؟

– مسألة سوريا مسألة طائفية تماما، والحكومة العراقية تكيل مع القضية من هذا الجانب بمكيالين، فهي تعد التظاهر ومعارضة النظام في سوريا غير شرعي، بينما تنظر للمتظاهرين في البحرين كمعارضين وتعتبر خروجهم شرعيا، وهنا ازدواجية واضحة ومنطلقة من تصرف طائفي. لماذا مظاهرات البحرين مشروعة ومظاهرات السوريين ليست مشروعة؟ ولماذا تسمح الحكومة العراقية بمشاركة مقاتلين عراقيين لنصرة النظام السوري ضد المعارضة؟ إضافة إلى الطائرات التي تنطلق من بعض محافظات الجنوب إلى دمشق لدعم النظام هناك، وما يقال غير ذلك فهو كذب، وما عاد الكذب ينطلي على الشعوب، والحاكم يصبح هزيلا وصغيرا عندما يكذب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً